mercredi 4 septembre 2019

الوطن البعيد // عز الدين بوروى // المغرب


ضحكت اليوم كثيراً، هئ هئ!!هئ هئ،ما أجمل الضحك،وياله من إحساس!.إنها المرة الأولى التي أطلق فيها العنان لهذه الضحكة الغريبة،ربما هي مجرد ضحكة مغتصبة خرجت من الأعماق دون أن تشاورني،هئ هئ،ما أجمل الضحك! ما أروعه من إحساس!
وأنا أهم بإظهار أسناني ،وتغيير تجاعييد وجنتي من الكآبة إلى السرور،بدأت أضحك ضحكا هستيريا..جلست فوق الكرسي وأنا كلما تذكرت حال وطني ازددت ضحكا حتى كدت أن أنفجر من الضحك...
هئ،هئ،هااااهااااا ،وطن،وطن،وطن...
استيقظت للتو من هذا الكابوس،وجدتني أتصبب عرقا،ولازال ذاك الصخب يطلق رنينه بأذني،ولازالت كلمة وطن تتردد بصوت مرتفع بأذني،ولازالت ملامح ذلك الشخص الذي كان يضحك ذاك الضحك الهستيري تمر أمام عيني،لا لم أكن أنا،أقسم لكم بأغلظ أيماني أنني لست ذاك الشخص..أنا إنسان ضعيف،أنا رجل مضحك كما سماني معلمي الروسي دوستويفسكي،أنا "سيرانو" هوية كونديرا،أنا "غريب" كامو،أنا الذي لم يضحك قط،أقسم لكم يا سادة أنني لا أعرف لغة الضحك،ما هو الضحك يا ترى؟،أنا إنسان ضعيف يبحث عن ملجأ يختبئ فيه،كهف ألبث فيه باقي أيامي،أبحث عن وطن...
لم أعرف قيمة وطني حتى ضاع مني،حتى يوم سئلت عن "الوطن"،تلعثمت في الكلام وأنشدت لهم نشيدا وحملت علما وقلت لهم هذا هو الوطن...
كبرت وعرفت أنني لست حرا،وأن وطني لم يسترجع بعد،عد إلينا أرجوك ،عد إلينا...أرجوك
"لن أعود،وإن عدت فلن يتأتى لي أن العودة إلى أصلي" . هكذا حدثني وطني بصوت حزين،وأضاف قائلاً:"لن أعود حتى تثوروا ضد الجلاد،وينزع الظلم من البلاد،وتحاربوا القواد.سأعود يوم تعرفون قيمتي،يوم تعلمون أن للوطن قدسيته كذلك،حين تعلمون أن تراب الوطن أقدس من مالكم وأولادكم،سأعود حينما أتأكد أنكم غيرتم عقلياتكم وطريقة تفكيركم...وهذه الأخيرة هي الأهم.
-لكن يا وطني،أخبرني أين أنت أسير،وسآتي كي أحررك لتعود إلينا،أخبرني أرجوك،وسآتي.
-قال لي:"لقد أخبرتك أنني سأعود،سيطلق سراحي عندما تطبقون ما أخبرتكم به،وداعاً".
لا،وألف لا،أنت مخطئ،سأحمل أمتعتي الآن وسأجوب العالم بأسره حتى أجدك...(هنا كان قد انتهى الحوار).
حينها نهضت من سريري،حملت أمتعتي،وجواز سفري ،وبدأت رحلتي..جبت العالم بأسره أبحث عن وطني الأسير في الصين والهند،في أمريكا الشمالية والجنوبية،بحث شرقا وغربا،شمالاً وجنوبا،ولم أجد أثره،زرت سجن غوانتانامو الرهيب وكل سجون العالم ولم أعثر عليه...
يئست أيما يأس حتى عيل صبري،فعدت خائبا إلى بلدي الذي ليس بلدي،عدت بعد سنوات من البحث ومن دون جدوى،بدأت أتسكع في الشوارع وأمتعتي فوق كتفي،وجهي تطاله الخيبة ،وبعد لحظة بدأ دمعي ينهمر،جلست القرفصاء وأنا أبكي وكلي أمل بأن وطني سيأتي عاجلا أم آجلاً،بعدما مسحت عيني من الدمع،وقفت وأنا أردد "وطني سيعود،وطني سيعود،سيعود"،نظرت بجانبي فلم أجد أمتعتي،صوت  مرتفع من ورائي  يقول : شدوا الشفار،شدوا الشفار،شد شد..."
عندها استرجعت كلام وطني عندما حدثني قائلاً:"غيروا العقليات،غيروا تفكيركم كي أعود"..لقد كان محقا،يجب أن نغير طرق التفكير الخاصة بنا،يجب أن نحرر عقولنا كي نحرر أوطاننا،يجب أن نرسخ للآخر فكرة الوطن بمنطقة "الشعور" خاصته،قبل أن نعطيه البندقية ونوصيه بترديد الأناشيد الثورية. إن المواطن يجب أن يعي فكرة الوطن،ويعلم أن ترابه مقدس كالإله.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.