الوقت مساء، قابلته قرب بئر حديقتنا ، بجلبابه الزيتي الذي لازلت أحتفظ به كتذكار،قبه فوق رأسه مسدولا ،وغير مطوي على الجبين ،قبلت يده التي أضحت عبارة عن جلود مرتخية ومترهلة، تحتها مباشرة سكنت عظام تخزك إن بالغت في الضغط عليها
تقابلت الأعين ،شعاعهما متبادل ويوحي بمخزون لابد من البوح به،نظرات فيها عمق،وفي الوقت آنه يقرأ في بؤرتيهما فرح و حزن . كل شتائل المشاعر صفت في هذا الرواق وتقابلت في حوار انسكبت منه عطور الزهو والأناقة، اصطف الرفق والصفاء ، وقابله العطف والوفاء .تلك اللحظة،كنت في حاجة إلى كلمة، بل إلى همسة صادقة من إنسان تعرف باليقين التام أنه لا يحابيك ولا يجاملك بل يحبك حب الملائكة للصبايا، كنت أتوق إلى حديث عفيف ، وموجز يتلمس ألياف مشاعري العطشانة لرقيق الكلم وأعذبه، حديث فيه خصوبة تجارب رجل رزين،عانى من كرب المحن والأنين، حديث مرو لمشاعر نضبت بفعل تراكمات المشاغل وتعب السنين ، يرتل بصوت فيه حنا ن ورقة الناس الكبار، ذوو التجارب والأفكار. كلام لرجل من طينة أبي
انطلقت من عينه نظرة غير راسية على قرار،فيها أسئلة،فيها لهفة التعرف وحب التقصي والاستبيان وكأنها في سفر استكشافي تريد أن تستكنه خبايا جزيرة مملكة الأسرار....بقيت أنا في وقفتي التأملية التي ترجو السلام وتعشق أريج الود والوئام... نبرة عيني بقيت على إيقاعها ،رست على نواة عينيه تتفقد هذا الترقب الذي خيم على مركز اهتمامه ، تعدت عيني هذا وراحت تحفر في تربة تاريخه الحافل بـــالعطاءات، تتفقد العمق الحسي المحتل لمساحة عواطفه... تستكنه مركزه وحواشيه في آن واحد. راحت في ضواحيها تتأمل المسارب التي شكلتها السنين لتحفر شقوقا تنز منها أسئلة الآمال والاطمئنان .كانت أروقتها فيها شعاب تعج بأطباق الاستكشاف والسؤال
كنت أحمل بشارة لطالما حلمت بتحقيقها يوما من الأيام ،بشارة فيها إعادة الثقة بالنفس الذي خانني الزمن بتحقيقها في كثير من المرات ...لم تكن أيامي المائجة وأحوالي الكثيرة الحراك آنذاك لتنصفني. انتظرتها لسنين بل لعمر،منذ أن حضرت حفلا في صغري. كان حلما وانغرز في أحشاء أحلامي في ذلك اليوم، ارتكن وانزوى في اللاشعور وبالضبط منذ الشهادة الابتدائية عندما حضرت توزيع جوائز على المتفوقين في حفل بهيج. نعم،انغرز هذا الحلم كمسمار في قاع مخيلتي وبقي يتردد صداه وتتوالى أحداثه على أطياف ذاكرتي كلما حصل وحضرت حفلا مماثلا
كبر هذا الحلم وتنامى حتى أضحى تحديا. كنت ونفسي نتقاسمه لوحدنا .وجاءت الساعة ليتفتق هذا الحلم أكثر ، فمن الصدف أنه في دراستي الجامعية التي ولجتها بعد أن أصبحت موظفا، ستجدني يوما جالسا في حفلة آخر السنة، وزعت فيها جوائز للمحتلين الدرجات الأولى في الإجازة ، هذا الحفل الذي سألت عنه كثيرا فأخذت التأكيد التام على أنه ينظم من طرف وكالة اتصالية على صعيد إقليم القنيطرة ويغطي جميع المجالات : الرياضية منها والإبداعية والثقافية وووو........ فتخصص لكل المتفوقين جوائز متعددة وقيمة كالمحاميل والحواسيب وآلات تصوير وووو .......الخ...
غطى ظلال فروع هذا الحلم جميع أرجاء قناعتي وأنا أعيش الحدث هذا ،وكانت السنة الموالية ستكون الإجازة بالنسبة لي. أخذت أرعى هذا الحلم بكل الأغذية والأدوية معا ليترعرع وينمو بطرق صحيحة وغير مؤذية حتى أضحى هذا هدفا وغاية لابد من النيل منه في السنة المقبلة
كنت حينها أفتش عن نوعية الكلام الذي سأرفعه إلى حضرته، كلام فيه إراحة لروحه الجميلة التي تفتش عن نبإ يلملم جراحات أتعاب السنين ،نبإ يسكنه ويهدئه من أنين أمراض الكلي الذي دأبنا أنا وإخوتي على إيصاله إلى مصحة بمدينة سلا لتصفيتها كل ثلاثة أيام، حيث استولى عليه هذا المرض اللعين،استولى على كل أجزاء مفاصله فأوهنه وأرداه جثة عظمية يكسوها جلد مدلدل بعد فقدان كل اللحم والشحم. اقتربت أكثر فأكثر، كانت نظراتي تلك توحي له بأن شيئا ما جميلا سيزف إليه ،طافت ابتسامة خفيفة خاطفة وسريعة على شفتيه ،وأبرقت عيناه الغارقتان في محجر عظمي وكأنه يعطيني الإشارة للبوح بالخبر
كان من طبعي الموروث عنه أني لست ممن يزفون الأخبار بهكذا تلقائية بل لابد من الترنح والتلكؤ في ذلك .وأنا في حيرتي هاته لم أدر كيف انفجر الكلام وتفرقع من فمي دفعة واحدة وكأنه طرطقة من طرطقات لعب عاشوراء
.ــ نجحت أبي بميزة وأحرزت على المرتبة الأولى
دب هذا الصوت المنفجر في رواق مسامعه ،فلاذ الصمت بيننا للحظة،أسقط رأسه في أول الأمر وكأنه يريد أن يتقصى صحة ما سمع ثم بعد مرور هنيهة من الزمن .نهنه بكلام غير مفهوم فلم أسمع جله ثم بعده أفصح
[[ــ خبر أبناءك ،ودقق لهم في تفاصيل النجاح هذا ــ احك لهم كواليسه وطريقة الحصول عليه. ـ استوف في التدقيق في ظروف العمل الذي نهجته وأطل في وصفه.]]
ثم أضاف بنبرة فيها شيء من الرضى والفرح:ــ مبروك ... استقام بعد هذه الكلمة ثانية ونطق بعدما أطال التدقيق في ملامح وجهي
ــ اليوم ؛العشاء عندي ؛أحضر أبناءك .
لم آخذ في الأول بقدر من الاهتمام الجمل التي طالت حديثنا، لكن وبعودتي إلى المنزل تذكرت جمله هاته التي تطوي كل مجالات وقواميس أسرار التربية وعلم النفس وجدتها حقلا جامعا لفنون التلقين والتعلم يقال لها التربية بالقدوة.فما كان مني إلا أن أخبرت أسرتي الصغيرة التي كانت آنذاك بالرباط للحضور يوم توزيع الجوائز . وقد سعدت الأسرة كثيرا بذلك فحضرت الزوجة والأبناء فكان أن طلبت من أبنائي بعد المناداة على اسمي هم للتقدم لتسلم جائزتي ،وفعلا تقدمت ابنتي بعد أن خجل أخواها فتسلمت الجائزة وعندما عدت إلى المنزل قصدت أبي للتو .هذه المرة لم ينفجر الكلام ،بل تحدثت معه وأنا في كامل اللياقة .حكيت له عن كل ما دار في الحفل بما في ذلك الجائزة التي تسلمتها فاطمة الزهراء ابنتي وووووو
فإن أنس لن أنس ذلك الشعاع الذي صدر من عينيه تعبيرا على أمواج المشاعر التي سكنته في تلك اللحظة ،وإن كان من تذكار جميل يغزوني كلما عرض ذكره فهي تلك الفرحة والابتسامة التي ارتسمت على محياه في تلك اللحظة ،فلا زلت أحملها في مؤثثات ذاكرتي وستبقى على عرشها متربعة إلى حيث أنتهي
كان من طبعي الموروث عنه أني لست ممن يزفون الأخبار بهكذا تلقائية بل لابد من الترنح والتلكؤ في ذلك .وأنا في حيرتي هاته لم أدر كيف انفجر الكلام وتفرقع من فمي دفعة واحدة وكأنه طرطقة من طرطقات لعب عاشوراء
.ــ نجحت أبي بميزة وأحرزت على المرتبة الأولى
دب هذا الصوت المنفجر في رواق مسامعه ،فلاذ الصمت بيننا للحظة،أسقط رأسه في أول الأمر وكأنه يريد أن يتقصى صحة ما سمع ثم بعد مرور هنيهة من الزمن .نهنه بكلام غير مفهوم فلم أسمع جله ثم بعده أفصح
[[ــ خبر أبناءك ،ودقق لهم في تفاصيل النجاح هذا ــ احك لهم كواليسه وطريقة الحصول عليه. ـ استوف في التدقيق في ظروف العمل الذي نهجته وأطل في وصفه.]]
ثم أضاف بنبرة فيها شيء من الرضى والفرح:ــ مبروك ... استقام بعد هذه الكلمة ثانية ونطق بعدما أطال التدقيق في ملامح وجهي
ــ اليوم ؛العشاء عندي ؛أحضر أبناءك .
لم آخذ في الأول بقدر من الاهتمام الجمل التي طالت حديثنا، لكن وبعودتي إلى المنزل تذكرت جمله هاته التي تطوي كل مجالات وقواميس أسرار التربية وعلم النفس وجدتها حقلا جامعا لفنون التلقين والتعلم يقال لها التربية بالقدوة.فما كان مني إلا أن أخبرت أسرتي الصغيرة التي كانت آنذاك بالرباط للحضور يوم توزيع الجوائز . وقد سعدت الأسرة كثيرا بذلك فحضرت الزوجة والأبناء فكان أن طلبت من أبنائي بعد المناداة على اسمي هم للتقدم لتسلم جائزتي ،وفعلا تقدمت ابنتي بعد أن خجل أخواها فتسلمت الجائزة وعندما عدت إلى المنزل قصدت أبي للتو .هذه المرة لم ينفجر الكلام ،بل تحدثت معه وأنا في كامل اللياقة .حكيت له عن كل ما دار في الحفل بما في ذلك الجائزة التي تسلمتها فاطمة الزهراء ابنتي وووووو
فإن أنس لن أنس ذلك الشعاع الذي صدر من عينيه تعبيرا على أمواج المشاعر التي سكنته في تلك اللحظة ،وإن كان من تذكار جميل يغزوني كلما عرض ذكره فهي تلك الفرحة والابتسامة التي ارتسمت على محياه في تلك اللحظة ،فلا زلت أحملها في مؤثثات ذاكرتي وستبقى على عرشها متربعة إلى حيث أنتهي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.