و انا أحدث صغيرتي عن وباء كورونا ، و ما سببه من مآسي و ضحايا و تغيرات عالمية ، و أنصحها باتخاذ الحيطة و الحذر ، و ترك مسافة الامان و النظافة باستمرار ، و غسل اليدين بمحلول كحولي و ضرورة وضع الكمامة . فاجأتني بعبارة جميلة كان يرددها ابي رحمة الله عليه ، كلما اراد تحدي الوضع الذي هو فيه او المأزق الذي يقع فيه : وايلي يا الريح !
لا أعرف أصل و فصل أو مصدر هذه العبارة ، و لكنني عرفت فيما بعد ، أن والدي من عادته استصغار كل مشكل اعترض طريقه ، مهما كانت حدته ، و هذا هو سبب قوته و تغلبه على عاديات الدهر
وايلي يا الريح ينطق بها متهكما من كل شيء و على كل شيء ، و كأني به يقول : هل من مزيد ، فسقف بيتي حديد
جاء الوباء ، و في غفلة منا ، و غير الكثير من عاداتنا ، و سيطر على بيوتنا و طردنا للخارج ، و استوطن كل الأماكن المغلقة ، و كل من تجرأ و دخل بيته ، يكون مصيره الهلاك
كانت كل الأسر سواسية ، تفترش الأرض ، و تلتحف السماء ، كل واحد منا حشر نفسه في زاوية ضيقة ، و عاش عالما افتراضيا مقيتا
مسؤولو المدينة ، وضعوا شاشة كبيرة ، وسط ساحة الحرية ، لبث آخر الأخبار و المستجدات
مرت حروب كثيرة ، و كنا على استعداد للموت في أية لحظة ، برصاصة طائشة او هجوم نووي أو حادثة سير . لكن لا أحد فكر يوما في هجوم فيروس لعين و دقيق على مساكننا ، ليعكر ما تبقى من حياتنا البئيسة ، و يجبرنا على الانزواء و الاختباء داخل جبة خوفنا ، و طردنا إلى الشارع بلا رحمة و لا شفقة
لم تكن الأخبار الآتية من بعيد تبشر بالخير ، فضحايا الفيروس بالآلاف ، و المستشفيات لم تعد تتحمل المزيد ، لقدرتها الاستعابية المحدودة ، و الوباء اللعين يخبط خبط عشواء ، لا يفرق بين أبيض و أسود . يفتك بكل من سولت له نفسه التحدي و دخول بيته . كل الأماكن المغلقة صارت ملكا له
اعتدنا على حياة الشارع ، و تدبر أمورنا فيما بيننا ، لكننا كنا نشعر بحرج كبير كلما أردنا قضاء الحاجة ، فنبحث كثيرا عن صخرة أو شجرة ، لنختبئ من أعين المتلصصين و أنوف الفضوليين
السلطات المحلية تعمل جاهدة على تعقيم الشوارع و الممرات ، و تضع الشمع الأحمر على أبواب كل البيوت ، حتى لا يفكر أحد في اقتحام المجهول ، و حتى لا ينتشر الوباء فنصبح على ما فعلنا نادمين
مساء ذلك اليوم ، ظهر على الشاشة الكبيرة ، مسؤول حكومي مخاطبا الناس ، و مبشرا بأن أبحاثا مخبرية أكدت بأن الوباء يموت بعد عزله و إحكام الإغلاق عليه ، بعد ستين يوما ، و مبينا للناس أن النصر قريب ، و ان بعد انتهاء فيروس كورونا ، فلن يظل اي شيء في العالم ، كما هو عليه الآن ، و أن من بنوا نظام رفاهية كاذبة ، على حساب الدول الأخرى و الناس الآخرين ، سينتهي عصر سيادتهم
و ختم كلامه بدعاء طالما سمعناه هذه الايام : اللهم ارفع الغمة عن هذه الامة ، و ارفع عنا الوباء ، و احمنا من شر البلاء
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.