lundi 18 novembre 2019

الموت فاكهة الزمن // الحبيب القاضي // تونس



هل سأكون مبتسماً كعادتي عند حلول المصائب؟.. لا أعرف كم بقي من الزمن كي أسلم هذا الجسد للتّلف، أشعر أنني في مرحلة الغروب، الشفق الأحمر يوقد في الذّاكرة حطبها.. كلّ الكلام الذي قلته سابقاً، النّقاشات السياسية، رسائل الحب، جدالي على مقاعد الدّراسة، و حتّى الكذبات الصغيرة التي كنت أقنع بها أمي، لم يكن سوى ملء فراغات في أيام العمر.. الحياة تبدأ في هذه اللّحظة، أعلم أني سأدفن على الطريقة المتعارف عليها، مكعّب مستطيل الشّكل في الأرض، بين الحفرة و الخندق يسمّونه القبر سيجمع كل الصّخب الذي كان، سيضمّ بين جدرانه ذلك الشّغف الذي ادعيته مرّات، و سيواري هوسي بأشياء كثيرة سأفقدها و بصفة نهائية.. الان أحتاجُ أن أدوّن وصيتي، لكنني عاجز، أحتاج إبرة وخيط صنارة لأخيط في تلك الظلمة رداء عهود أنا مدين بها.. ستتحلل الأجزاء الرخوة من جسدي، تكون كرنفالا لدود الارض، ينفصل اللحم عن الهيكل العظمي، و للمرة الأولى سأشاهد بياض الأجزاء الصلبة التي كانت تستدني.. سأكون ودوداً مع تلك الكائنات وهي تقتات مني على مهل، نحن لسنا في عجلة من الزمن، و لا أحد سيشوّش حفلاتنا، تتحول تلك الشّرايين إلى مواسير مدينة بعد القصف، سأجمع قبضة يدي، أوغلها في القفص الصدريّ، أسحب القلب برفق، و أعقد صفقة مع دود الارض.. لقد خبأت كل أسراري و فرحي في القلب، لن أتركه للتلف، حتى إيماني بوحدانية الله ركنته فيه، أسماء أعزاء محفورة على جنبات جدرانه، ملاحم كبرى خضتها من أجل نبضه، معارك شرسة ضد أسراب الغربان، في هذا القلب مدن كاملة و حضارات و تاريخ.. لن يفقد الدود مروءته و يلتهمه، لن أفقد قوتي حتى أمكنّه من فتح قبضتي، لن يفقدني الموت ما حييتُ لأجله.. الموت فاكهة الزمن



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.