سيرة رجل عادي/ 7
يومه الأول بالبيضاء وشم في ذاكرته ، كان يوما فارقا في حياته، لن ينسى أبدا ذلك الرجل -حارس العمارة - الذي أرسلته السماء اليه ليقدم له يد العون ،فكيف كان سيتصرف لولاه، فقد اطعمه واواه وارشده ،بل قد ساعده على ايجاد شغل يناسب مؤهلاته ويقيه شر الغربة
كان مكان العمل مطعما تقليديا لأحد المنحدرين من ضواحي مراكش ، يتكلم الأمازيغية ويشغل معه أربعة شبان نازحين من قرى بعيدة عن البيضاء ، وقد وجد الشاب هذا المكان
مواتيا .كان يغسل الأواني ويهيء بين الفينة والأخرى كؤوس الشاي للزبناء ، وبعد اتمام العمل مساء يبيت مع الشبان الأربعة في المطعم ليستيقظوا في الصباح الباكر ويعدون المكان لاستقبال الزبناء
مر شهران على هذا الوضع ، واخد الحنين الى القرية والأهل يغزو قلب الشاب ،ومما أذكى في نفسه هذا الحنين هو هذا البديل الذي اختاره له القدر . الأنفة وعزة النفس جعلته يراجع افكاره.فكيف له أن يقبل بهذا الوضع وهو من أسرة لها مكانتها وثقلها في القرية خصوصا لما لاحظ استغلال صاحب المطعم لكدح هؤلاء الشباب
اصبحت فكرة العودة تستحوذ على تفكيره ، لكن رسم مسار لحياته بالمدينة هدف اسمى وغاية قصوى لا يمكنه التنازل عنها ، وأن العودة إلى القرية ستكون فقط لإعادة ترتيب الأوراق والاستفادة من تجربته في مدينة البيضاء
*******
سيرة رجل عادي/8
ثلاثة أشهر في مدينة البيضاء تركت بصماتها على مظهر الشاب القروي، كما لقنته درسا من دروس الحياة وجعلته يغير أفكاره ويجدد نظرته للحياةاختار يوم انعقاد السوق الاسبوعي للقبيلة موعدا للوصول حتى يتمكن من ايجاد وسيلة نقل تحمله الى الدوار الذي يبعد عن السوق ببضع كيلومترات ، وبالطبع لن تكون هذه الوسيلة سوى ظهر بغل لاحد الجيران او لاحد اخوانه الذين يؤمون السوق للتبضع ..اقتحم زحام المتسوقين في اتجاه مقهى تقليدي يتجمع فيه سكان الدوار
ما كاد يقترب من المقهى حتى رمق عن بعد أمتار من بابها أخاه الأكبر جالسا في جمع من سكان الدوار يرتشفون كؤوس الشاي ،ويتبادلون الحديث.حين وصل وقفوا مندهشين قبل ان يردوا عليه السلام ويحتضنونه بالعناق والقبل والترحيب ...
تغير مظهر الشاب كثيرا، أصبح مختلفا، فقبل سفر العودة ذهب الى الحمام واغتسل، وزار الحلاق ليحلق له شعره كما يحلقه لأقرانه من شباب المدينة ،واستبدل القميص الابيض التقليدي بسروال طويل مكوي بعناية وقميص بلون منسجم مع لون السروال، وانتعل حذاء جلديا مازال يلمع رغم ما علق به من غبار الطريق والسوق ،ورائحة العطر تفوح من بدنه وتصل الى انوف كل من عانقوه ،وفي يده حقيبة جلدية
..."علق احدهم قائلا " والله يا ابراهيم اصبحت مثل سكان المدينة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.