mercredi 13 novembre 2019

عقوبة : قصة قصيرة // أحمد البحيري // مصر


لقد أفاق المسير. حركة الوارد ردته من غيبته. فبعد تسكين المجرمين الجدد بقي أحدهم مثل بيت الوقف. والبرشام الذي يغيبه عن الوعي فقد تأثيره. إنه محكوم بالمؤبد، ومن طول المدة شاركته إدارة السجن في السلطة لتحصيل مصاريفه. هو والصول سواء بسواء. السلطة من السلطة، والقوة من القوة، والرشوة واستغلال النفوذ قسمة بينهما. في نهاية الأمر أخذ السجين معه بغرفته. في الصباح انقلبت الدنيا بالعنبر. المخبرون وضباط مباحث السجن فتحوا كل الغرف للبحث عن السجين الغريب. محمد محمد اليمني خالد. الدهس والجلبة أيقظ الجميع. وقبل وصولهم للغرفة الأخيرة، كان المسير يقف به في الرواق. بعد ساعتين عاد الرجل بزيارة غالية. كراتين سجائر وأكل مجفف، وفاكهة، وأسماك ولحوم. المسير كاد يجن. من ظنه مسكينا ليلا وجده عتلا بالنهار. ويعدما وزع ما يتلف من طعام إذا بات وتعشي مع السجين الذي يخدمه والرجل الغريب، تناول حبة البرشام التي يقتل بها الوقت والتف في البطانية السوداء واستلقي علي ظهره. بعد نحو ساعة قال وعيناه معلقتان بالسقف: عم محمد!. انتبه الرجل الذي قلد نومته، وكذلك الخادم. سعل المسير ثم قال: السمك الذي تركناه في النافذة لنأكله غدا ترميه للقطط. امتثل الرجل ثم سأله عن السبب. قال رأيت فأرا مر بحلق النافذة ينظر إليه ثم بصق عليه. قال الرجل متعجبا: الفأر بصق علي السمك؟. اعتدل المسير بجذعه وهو يقول: أتكذبني؟. رد بسرعة أبدا. ومن يستطيع أن يكذبك. أنت الوحيد الذي أكرمني دون أن يعرفني. نظر المسير للخادم فشرع يعد الشاي. ورمي سيجارة للرجل وهو يقول وأنت ( إيه) حكايتك؟. قال الرجل: أنا مشكلتي نسيبي. أنا رجل اعمال معروف. نسيبي عميد أمن دولة. تشاجرت لأجله من عامين وحكموا علي بسنة غيابي. كلما قلت للمدام أذهب وأسلم نفسي، قالت وكيف تسجن ونحن حكام البلد. هو من زارني في مكتب المأمور. والله ما سلمت عليه. أنا الذي ربيته وصرفت عليه. لولا أنا ما كان هو. أنا لن أتحمل السجن. لو بقيت هنا سأموت. هون عليه المسير وطلب من الخادم تسليته ونام. في الصباح نقلوا العم محمد إلي مستشفى السجن. قضي بها كل النهار وعاد مساءا مع التمام. المسير ضحك حين رآه في الرواق بآخر الضوء. كان متهالكا ويضحك بشكل هستيري. ابتدره المسير: أما قلت لك. قهقه وكاد يسقط وهو يقول: بصقة الفأر سببت لي تسمم. قال المسير بل أنت مسموم من قبل أن تأتي. منذ تخرج نسيبك. وهل لعاقل أن يناسب هؤلاء. وأمضوا الليلة في ضحك متواصل. وكلما أوشكت روح الرجل أن تخرج قال: خير اللهم اجعله خيرا. في اليوم التالي خرج إلي المستشفى وانتظر المسير عودته في المساء. وإذا بالمخبرين الذين كانا معه يتوجهان إلي غرفته. ركض خلفهم المسير في الرواق وهو يسأل: خير يا جماعة. فيه ( إيه). قالوا: محمد محمد اليمني خالد. قال : ما به؟. قالوا: البقية في حياتك. لم يتمالك المسير نفسه ؛ فخر مغشيا عليه



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.