mercredi 20 novembre 2019

قربان: قصة قصيرة // أحمد البحيري // مصر


اجتمعوا فوق تبة الزين دون موعد. الريح كانت قوية ولولا المكان الذي يشبه المغارة لأهلكتهم. وبعدما تعشوا اللحم المشوي ودخنوا صمتوا جميعا فجأة كأنهم مجبرون. شعروا كأن نيرانا متحركة عبرت أمامهم. أو كأنهم أمسكوا بسلك كهرباء عاري. والأكسجين شح في الهواء، والماء تناقص في الأجسام، وجفت الحلوق وما قويت الألسن علي الحركة. والآذان صفرت وكادت أن تثقب. تألمت بشكل مفاجئ، ولما هدأت أبقت وشيشا منفرا، يشرد بالذهن رغما عنه إلي طرق مهلكة. انتبه الأربعة مع قهقهات أبو فريد وهو ينظر سرب ثعالب يمر ويقول: أول الرقص حجل. الشيخ زروق هب واقفا وقفز الأحجار ليستطلع الأمر. والطبيب الشاب حدث نفسه بلعنة مؤكدة. والعم جرجس رسم الصليب مرات ولم يهدأ حتي قبض عليه. وحده فرج كان رابط الجأش ولم يبد عليه أي انفعال أو أثر. أشعل سيجارته ونظر للعم جرجس وهو يقول: هل تميز عزيف الجن وصوت الأفاعي إذا سمعتها؟. هز الرجل الذي قارب الستين رأسه إيجابا وأسنانه تصطك. ربت فرج علي كتفه وهو يمر من خلفه ويصعد الأحجار. ولما سمع عواء الذئاب قال بعدما لحق بالشيخ زروق: هل خمنت ما يجري الآن هناك؟. قال الشيخ وهو يشير في البعيد: انظر!. وإذا بسرب من الصقور كبيرة الحجم يهبط من الأعالي في دورانات حلزونية ويشتد صوته كلما اقترب من الأرض. السماء كابية بعدما انتصف الليل، لا أثر فيها لأي جسم منير، بل سحب داكنة تبرق وترعد بين الفينة والفينة
وأبو فريد هدأ من روع الطبيب الشاب وحثه والعم جرجس علي اللحاق به. إنه يعرف ما يحدث دون أن يدركه. هو من أقدم سكان المدينة الصحراوية وما هو على تلك الأحداث بجديد. والحمرة الموجودة بوجهه تلمع كثيرا في مثل هذه الأوقات.
تبة الزين التي يلتقون عندها في ليالي العطلات واحدة من سبع تبات غير منتظمة الشكل. تراها من جانب المدينة الغربي مثل جبل. فإن صعدتها رأيت الجبل يعلو ويعلو ويمتد في اتساع مدهش. والرفاق الخمسة الذين التقوا دون موعد بدت قوة خفية تشدهم وتطردهم من المكان. وقفوا يتسمعون تنويعات الريح كأصوات نساء تهمس وتسرسع وتزمجر أحيانا، ويشتمون رائحة تثير في جوفهم الغثيان. وقلة الرؤية وصعوبة انتقال أصواتهم في هذا الخلاء جعل لحاسة الشم أثرا عظيما. أبو فريد يعرف المدقات في هذه الفوضى ،لكن الخلاء رحب. أقرب مسافة بين تبتين تبلغ خمسة كيلومترات. وكانوا يمشون خلف دليلهم الطويل النحيف الذي يميل للأمام وهو يسير. إنهم يلبون نداء مبهما. ثمة كارثة بالتبة الأكثر ارتفاعا، تبة القاصف. وعليهم التدثر بالصمت والتحلي باليقظة والشجاعة ليعرفوه. إن جمعهم دون موعد الليلة لم يأت عبثا وبينهم ثلاثة مسلحين. لقد قطعوا نحو عشرة كيلومترات دون كلام خلف دليلهم حتي صعدوا التبة ولاذوا بركن آمن. وهنا كسر الشيخ زروق ماسورة بندقيته وأطلق ثلاثة أعيرة نارية في البعيد وانتظر وما من رد. الرد الوحيد الذي لاح لهم هو عودة أصوات الطيور الجارحة والحيوانات البرية. وبعد خمسة أعيره أخرى، عادت الصقور تفرد اجنحتها وتعاود الطيران في دوائر حلزونية تصنعها وقت الهبوط. وقال فرج أحسب أن لا أحد هناك. سأل الطبيب الشاب: ما الذي يمكن أن نجده؟. رد أبو فريد وهو يضحك: لا تتعجل ولا تخف، ما بقي غير المعاينة. ولما تحركوا خلفه رطن العم جرجس بكلمات لم تصل لسمع أحد وعاد يقبض علي صليبه. خمس دقائق أخيرة من المشي في المدق ووصلوا إلي حيث خيم الطير ووصلت الثعالب والكلاب والذئاب. كانت جثة لرجل مقتول، عضوه الذكري مقطوع و جسده أربعة أرباع.ولحمه الذي تآكل بعضه علي عظمه قد اجتمع عليه الدود والقوارض. الطبيب الشاب بكى،والعم جرجس عاد يرطن بكلمات لم يتبينها غيره. والشيخ زروق وفرج راحا يحفران الأرض .بينما أبو فريد الذي كسا يديه 
.بقفازات من البلاستيك يجمع الرميم ويدفنه




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.