إنه أمرٌ عاديّ.. يحدث هذا في كل المجتمعات و أثناء الحروب خاصة.. أكاد أجزم لكِ الآن أنني فقط أشتاق شمسنا الحارقة.. الشمس عندنا تفرض هيبتها على كل الأشياء.. إنها تتربع إلهة في السماء فيركع الكل تحت سياط أشعتها.. إنك تشبهين شمسنا و لذلك أنا لا أنفكّ أحبك و أشتاقك أكثر
ضمّته إلى صدرها و مررت أصابعها على شعره الحريري الناعم المتفحم، أزاحت خصلة كي تتمكن من رؤية زوايا عينه حين كان أنفه مدسوسا في رقبتها و أنفاسه الحارة تعرج بها في سماوات الفرح
-" لن أصف حبي لك.. المرأة لا تصف ذلك، أنتَ تعرف كم أنا مهووسة بك.. إني أخشى عليك من كل الأشياء.. أنا امرأة عاشت الوحدة، كنستْ أحلامها بشراشف سريرها بعد أن أطفأت شموع فرحها.. لقد ملأتَ كل تلك الفراغات، أعدتَ بريق الأضواء داخلي.. لقد أعدتني.. أنا أكثر من أحبك، لن أخجل ان قلتُ أعبدك
حضنته من جديد، ضغطت عليه بكامل قوتها و أحاطها هو بذراعيه الحنطيتين، كان ظلهما يتراقص مع نور الشمعة الخافت في تلك المدينة الداكنة و الباردة.. تمددت فوقه، عيناه مثبتتان في أسفل ذقنها، بدا و كأنه يحصي نقاط النمش في رقبتها وعلى صدرها حين كان نهداها يلامساني أسفل قفصه
مررت سبابتها على آثار أظافرها المرسومة بعبثية و وحشية على جلده، كانت حبيبات الدم تشبه أزهار التوليب الحمراء و تلك الخطوط تذكّرها دائماً بحكايات طريق الحرير و سحر الشرق.. تذكّرها بلذة المجوسيين و هم يتحلقون حول النار.. مسحت الدم و امتصّت بشهوة جامحة إصبعها.. بدت الآثار زهرية لامعة على بقايا جرج قديم تعافى دون علاج.. " لقد عذبوك حبيبي.. لكن لو لم تحدث تلك الحرب لما جئتني بعد كل انتظاري
تذكرَ كيف حطت رحاله لاجئاً في هذه المدينة الأوروبية.. قدمتْ بسيّارتها، بعد أن تحادثتْ مع مسؤولي الملجأ، كان غافلاً حين مسحت على رأسه و أمسكت رقبته برفق.. إنها المرة الأولى التي تلمسه امرأة.. تسارع الدم في أوردته و تذكر شلالات الماء في أربيل و وهج السماء في صحراء البصرة.. " نعم سأصحب هذا.. سيكون بخير.. أعدكم بذلك و سأوافيكم بكل التفاصيل.. " اجراءات ادارية مبسطة ثم رافقها
حين اندلعت الحرب الاولى في 2003 لم يكن عمره يتجاوز خمس سنوات، في شهر حزيران أقدم مجهولون على اغتيال أمه، لم يكن والده بالمنزل فهو منهمك في بناء العراق الجديد كما قال له.. "عراق الكلام بصوت مرتفع".. بعد الحادثة انتقلوا إلى الإقامة في حي يحرسه العساكر.. أوكلت مهمة تربيته إلى امرأة تتلحف بالسواد دائمًا.. حاجباها كثيفان و نادراً ما تنتف الشعر النابت في حواف شاربها و ذقنها.. كانت امرأة بلا ملامح لكنها حنون، آلة منضبطة في المنزل.. غرفته في الطابق العلوي.. يتفقده والده الأرمل نادراً لانشغاله، في مرات كثيرة يسمع ضحكات نساء و تعتعة سكر في الأسفل.. تقول له مربّيته " دعك منهم.. ثابر في دراستك".. تعدّدت أنواع السيارات والسا ئقين الذين يقلونه إلى مقاعد الدراسة.. كبر شغفه بالمحركات و السرعة فكان همه أن يعرف كل قوانين الميكانيكا و أحدث أنواع السيارات و أجودها.. انغمس في تعقب هوسه كدودة تحفر في الطين.. كبر و هو منضبط لولعه يؤمن فقط بحتميات الفيزياء الميكانيكية.. اختلطت الأمور..علا صوت الرصاص مرفوقا بتكبيرات الناس، انقطعت أخبار والده.. تملكه الخوف.. حين غادر الحيّ وقع اختطافه وجد نفسه مجنّدا في تنظيم الدولة، ملامحه الطفولية، و استعداده لتنفيذ الأوامر ككلب صيد جنباه القتل و التعذيب.. كان مطيعاً للحكام الجدد، عجينة ذرة بين أيديهم.. تم تكليفه بنقل جثث الموتى.. المقاتلين الذين لقوا، من تم إعدامهم أو ذبحهم، أشلاء بشرية، رجال و نساء و أطفال سقطوا بعد موجات القصف.. يلقي بها في شاحنته و ينقلها حيث يؤمر.. كان يختلس النظر إلى صدور جثث النساء و الفتيات، يمتص ريقه الحامض في فمه، تمنى لو يقبل احداهن خاصة اللواتي لم يتحلل لحمهن بعد، مرات عديدة كان يتعمد مسك الجثة من نهدها و يتخيل نعومة ذلك لكنه كان يخاف.. يخاف أن ينتبه إليه أحد.. حكام المدينة الجدد يقتلون يعذبون، يحرمون و يحبون متى يحلوا لهم و هو مستعد و قابل لكل الإهانات و أقذر المهمات شرط ألا يُقتل.. لا يعرف ما حصل لكن في النهايات كانت سيارات المقاتلين تقلّهم إلى الحدود التركية و من ثمة يرسلون عبر موجات هجرة جماعية و بأوامر السلطات إلى مدن أوروبا.. أوروبا الحلم الأخضر دائما
قالت له المرأة الألمانية وهي تمسح العرق من جبينه و تضع المرهم على بقع سطوتها و جلدها له.. أنتم العرب أرضكم مهد نبوّات.. في نوبات عشقي لك أنا أنوي تعذيبك أو إهانتك، فقط إني أسمع في تأوّهاتك استغاثات المسيح عليه السلام فأزداد شغفا بك.. و أراك أنت اليسوع بين أحضاني.. حضنها بقوة إلى صدره و أجابها هامسا.. " نحن يا سيدتي.. من المحيط إلى الخليج نعشق من يدمرنا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.