lundi 1 mars 2021

قراءة نقدية تطبيقية في ديوان "عبير الربيع " للشاعر المغربي عبد القادر زرويل // بوزيان موساوي // المغرب


تحت عنوان: "الربيع" كاستعارة كبرى للوجدان المُحبط
مناولة عبر قراءة من ثلاثة محاور.
1 ـ انطباع أولي:
"عبير الربيع" من توقيع الشاعر المغربي عبد القادر زرويل (جهة الشرق) جاء ثالثا كرونولوجيا بعد ديوان "جدائل الشمس" و ديوان "حرقة الظلام". صدر هذا الديوان في طبعته الأولى عن مطبعة "عين"، وجدة/ المغرب سنة 2013، و لهذا التاريخ دلالاته التاريخية، و السيميولوجية، والأدبية/ الفنية كما سنرى ذلك في أعقاب تضاعيف هذه الورقة التقديمية / النقدية. الكتاب من الحجم المتوسط (61 صفحة)؛ يتضمن 17 نصا شعريا حرّا في تأرجح بين الطول و القصر.
و للقراء الذين لم تُتَح لهم فرصة قراءة هذا العمل الأدبي المتميز (الذي أشجع على اقتنائه و قراءته)، أقترح من باب الاستئناس، و لضرورة منهجية، تكوين انطباع أولي حول "الخط التحريري" للكتابة الشعرية عند عبد القادر زريويل بقراءة "ورقتين خارجيتين"؛ الأولى تتصدر الديوان على شكل فقرة قصيرة بحجم جملة واحدة نقرأ فيها (ص. 3):
"قصائد مفتوحة من أجل الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية"
و الثانية على شكل "ورقة تقديمية" للديوان بقلم الأستاذ عبد الكريم الفيلالي، من بين ما جاء فيها (ص. 5):
"نجد في شعر عبد القادر زرويل التزاما بقضايا الناس و مشاكلهم دون أن يغفل القضايا الكبرى للأمة العربية، و القضايا الإنسانية عموما. و تكمن صعوبة الشعر الملتزم في كيفية أداء رسالته دون أن يفقد بريقه الجمالي الذي من أجله وُجِدَ الشعر."
جميل أن ينزل الشاعر من "برجه العاجي" ليحمل هموم وطن و إنسان، و يؤدي رسالة منوط به كمثقف و كمبدع أن يبلغها تعبيرا عن موقف، و مبادرة منه كقوة اقتراحية، أو كجسور ممكنة نحو عوالم أجمل. لكن و ربما هذا ما أشار إليه ضمنيا مُقَدِّم الديوان الأستاذ الفيلالي، و أؤكده في كل قراءاتي النقدية، ليس كل من انخرط بخطابه باسم الأدب و الفن في "موجات" الحركات التحررية، و قضايا الشعوب المقهورة، و الهموم المعيشية اليومية أديبا، أو شاعرا، أو فنانا؛ هو نفسه سؤال "الشعرية" عند "تودوروف"، أو "الأدبية" عند "ريفاتير"؛ أي ما يجعل من مقروء ما عملا أدبيا فنيا؛ أو بتعبير "رولان بارت": ما قد يبتكره المبدع بعد "الدرجة الصفر من الكتابة".
و لا شك أن الشاعر عبد القادر زرويل، و من خلال هذا الديوان ("عبير الربيع")، و بصفته شاعرا و مناضلا يعي حق الإدراك أن الشعر، خلاف الأنواع الأخرى من الخطاب، و كيفما كان لصيقا بهموم الحياة و الإنسان، يحتاج لمسافة في قراءته للواقع اتقاء للخطاب المباشر الصريح، و ابتغاء لانزياحات لغوية و بلاغية هدفها مقاربة الرداءة بأساليب الجمالية بعيدا عن "اللغة الخشبية"؛ لذا نقرأ له أكثر من تلميح بهذا الصدد من نص بهذا الصدد، كقوله على سبيل المثال لا الحصر في مقطع من نص "عم قهرا" (ص. 21):
" من هذا الهامش
يمتد شعري
طوفان كغضب
يصير الصوت الرافض
ليحرر الطائر
من قيده
و يسقط لغة الخشب."
هكذا يدعونا الشاعر عبد القادر زرويل لأن نقمع خوفنا بالكلمات... لأن الصوت حياة لما يكون الصمت تكريسا للمهانة... لذا و قبل أن نلامس من منظور "جمالية التلقّي" الصورة الشعرية في ديوان "عبير الربيع"، لابد من وقفة عند القضايا الجوهرية التي ارتأى عبد القادر زرويل مقاربتها شعريا...
2 ـ قضايا محورية في ديوان "عبير الربيع"
ـ أولاها، و لأن الشيء بالشيء يذكر، تيمة "الربيع"؛ و "الربيع" المعني من خلال العنوان الرئيس للديوان هو استعارة كبرى ل "الحراك الاجتماعي" الذي عرفه المغرب الكبير، و الشرق الأوسط، و ربوع أخرى من العالم المعاصر منذ بداية العشرية الأولى من الألفية الثالثة؛ "حراك خصص له الشاعر في هذا الديوان أكثر من سبعة نصوص منها "عم قهرا" (ص. 19)، و "جدار الصمت تحطم" (ص. 38)، و "هذا الزمن" (ص. 40)، و "الاتهام" (ص. 42)، و "إرادة" (ص. 44)، و "لا تكظم غيظك" (ص. 47)، و "العمر لحظة" (ص. 51).
و من بين أجمل ما كتبه عن هذا "الربيع"، نقرأ (نص "إرادة" ص. 44):
"ماذا يبقى لنا
عندما تجف
الدموع
في المحاجر
ماذا يبقى لنا
عندما يخنق
الصوت
في الحناجر."
ـ في نفس السياق يطرح الديوان قضايا الكادحين؛ و قد خصص لها عدة نصوص منها: "في المدينة" (ص. 17)، و "أسئلة حائرة" (ص. 43)، و "الكادحون" (ص. 56)، و الكرامة" (ص. 59)... و كأن التاريخ يُكرّر نفسه، و كأن "الظلمات" مهما سادت، تتلقى لها "الأنوار" بالمرصاد (كما "حتمية تاريخية")، تتكرر الصورة الرمزية للطفل "الضحية" الحامل لمشعل الثورة باسم "فلسفة التنوير"؛ عند "فيكتور هوغو" في رواية "البؤساء" هو الطفل الباريزي "غافروش" (Le « TITI » de Paris) الذي ردد يقول ساعة احتضاره:
« Je suis tombé par terre, c'est la faute à Voltaire. Le nez dans le ruisseau,
C'est la faute à Rousseau. » (سقطتُ أرضا، الخطأ ل "فولتير".أنفي في النهر،الخطأ ل "روسو".)
هو نفسه الطفل، رغم تباعد الأزمنة و الأمكنة، مع سيادة و تسلّط نفس سياط الظلم و القهر، الذي يصفه عبد القادر زرويل في نصه "أسئلة حائرة" (ص. 43)؛ نقرأ:
"طفل يسأل
أسئلة الأنوار
حائر أنا
فالأجوبة نار
لكن من ألفوا
ظلمة المقابر
لا يفهمون
أنهم سفينة
يمتطيها
أشد الناس
نذالة."
ـ و لأن عبد القادر زرويل الإنسان و الشاعر صاحب مبدأ يؤازر من خلاله المظلوم أيّا كانت جنسيته أو انتماؤه أو لونه، و يتضامن انطلاقا من نفس القناعات الراسخة مع كل الحركات التحررية العادلة عبر العالم، فلم يكن هذا الديوان سيرى النور دون إعلانه التضامن المطلق و اللامشروط مع أهم القضايا العربية و الكونية العادلة التي هي قضية فلسطين المحتلة؛ فخصص لها الشاعر أحد أجمل نصوصه تحت عنوان "باسم أرض فلسطين" (ص. 46)، من بين ما جاء فيه:
"آه يا فلسطين
هذا الزمن
يهب الحق
لمن دمر
و سلب
فكل شبر من أرضك
الطاهرة
يتذكر
ألف شهيد
و طريد
و مليون جريمة
و خراب
و مجزرة."
ـ و من الكوني، للجهوي، يحط الشاعر الرحال في بلده، حيث المقام و الانطلاق، ذهابا و إيابا، لوضع الأصبع على قضية هي كما الجرح العميق، لأنها تتجاوز الآفة الأخلاقية لتندرج ضمن المعضلات الاجتماعية التي تهدد فلذات أكبادنا من الشباب المنوط بهم بناء المستقبل و حمل المشعل من بعدنا؛ قضية المخدرات، و التعاطي ل "حبوب الهلوسة خاصة"؛ و قد خصص الشاعر لهذا الموضوع الحساس و الخطير و الشائك عدة نصوص في هذا الديوان، من بينها: "صرخة فتاة" (ص. 22)، و "إلى صديق" (ص. 28)، و "التحدي" (ص. 32)، و "صباح الياسمين" (ص. 36)؛ نقرأ من نص "صرخة فتاة" (ص. 23):
"رباب
ما بالها بالنهار
ضياع و آلام
و بالليل حرقة
و أسى و أوهام..."
و لأننا نقرأ شعرا و ليس "بيانات سياسية"، أو "مقالات صحفية"، فنصوص ديوان "عبير الربيع"، رغم بساطة مفرداتها و خطابها الذي يكاد يقترب من اللغة المباشرة، اعتمدت عدة أساليب بلاغية جمالية وظفها الشاعر المبدع عبد القادر زرويل بفنية عالية كما سنرى في المبحث الثالث و الأخير من هذه القراءة.
3 ـ متعة النص (« Le plaisir du texte » (العبارة لرولان بارت) في ديوان "عبير الربيع":
كيفما كانت نوعية القضايا المطروحة في الديوان، لا يمكن إغفال معطى جوهري؛ إننا نقرأ عملا أدبيا؛ أي منتوجا خطابيا يسعى لاستمالة الذائقة بجمالية لغته و أساليبه و صوره، و نظرا لضيق الحيز، سنقتصر في هذه المقاربة على بعض الأمثلة:
أ ـ توظيف الشاعر ل "التناص" بتصرّف:
يتجلى هذا "التناص" (صارخا) في عدة نصوص بدءا أحيانا من اختيار عناوين النصوص؛
ـ المثال الأول: فلما نقرأ عنوان مثل "لا تكظم غيظك" (ص. 45)، قد يذهب بنا التأويل إلى ما يشبه إحالة على نص قرآني: " و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس" (من سورة آل عمران، الآية 134)؛ هي ربما تلميح لبعض "تجار الدين" الذين يستغلون النص القرآني أسوأ استغلال لإخراس الأصوات المطالبة بالحق و العدل و المساواة...
ـ المثال الثاني: لما نقرأ عنوان مثل "عم قهرا" (ص. 19)، نستحضر النص الشهير ل "الأمير الظليل" الشاعر امرؤ القيس الذي يناجي وضعه الأليم المتأزم في قصيدة شهيرة مطلعها:
"أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَن إِلّا سَعيدٌ مُخَلَّدٌ
قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بِأَوجالِ"
ـ المثال الثالث: و هو "تناص" لفظي واضح مع نص للسياب؛ نقرأ من نص "نبأ الجراح" (ص. 16) لعبد القادر زرويل:
"مطر
مطر
عشب الملاعب
كم هو أخضر
شجر الزيتون
و اللوز
كم تفحم"؛
و نقرأ للسياب من "انشودة المطر":
" مطرْ...
مطرْ...
مطرْ...
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
وتطحن الشّوان والحجرْ"
ب ـ توظيف الشاعر لحقول معجمية دلالية برمزية إيديولوجية:
وظف الشاعر عبد القادر زرويل على طول ربوع الديوان حقولا معجمية دلالية يمكن لكل واحدة منها أن تكون موضوع بحث لقراءة منفردة للديوان؛ من بين أهمها الحقل الدلالي بمثابة "تيمة" تم استعماله بلاغيا كإحدى المحسنات البديعية المرغوبة في الشعر مثل "الطباق" كما ثنائية بثنائية "الظلام"، و "النور" (ص. 18)؛ و "الجناس" (غير التام) كما ثنائية "النور" و "النار" (ص. 43)، و ثنائية "المحاجر" و "الحناجر" (ص. 44)...
و كأن الانعتاق من "استبداد الظلام" نحو "أنوار" (لا "نيران محرقة") لا يتم إلا عبر "الحناجر"، إلا عبر "الصوت"؛ صو ت المطالب بالحق.
و يبقى "الربيع"؛ "ربيع الخلاص"؛ "ربيع الحرية"؛ "ربيع الكرامة" من منظور شاعرنا عبد القادر زرويل ناقصا لم يف بعد بالأحلام و الطموحات المنشودة؛ كتب يقول في نص "عم قهرا" (ص. 19):
" غابت الشمس
و الليل استبد
و أغنية الربيع
لم يكتمل
لحنها بعد."
و لنا لقاءات أخرى في القادم من الأيام مع الشاعر المغربي عبد القادر زرويل إن شاء الله
مع تحيات نافذة النقد
والناقد بوزيان موساوي. المغرب.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.