dimanche 14 mars 2021

الرؤيا الشعرية : قراءة في قصيدة "الاعتراف الأخير" للشاعر السوري أحمد يمان قباني // لطيفة الأعكل // المغرب

 

أي عمل فني إلا ويتطلب رؤيا شعرية ذاتية . والرؤيا الشعرية لدى الشاعر تعتمد على ملكة الخيال ، الخيال الذي يخضع لانفعالات باطنية من أعماق الذات .. لذا وصف الخيال بكونه انفعالي ، تتحدد مهمته في التقاط شتات الأفكار والمشاعر المتفرقة من أجل بناء عمل فني معين عن طريق رسم الصور الشعرية المتمثلة في التشبيهات والاستعارات ، والرمز والأساطير ، والتوحيد بين العالمين الخارجي والداخلي .
وإذا كان الشعراء القدماء قد اعتبروا العالم الخارجي مصدر إلهامهم فإنّ شعراء الحداثة قد التزموا بالتعبير عن الرؤيا الباطنية للأشياء ، وعن العمق والجوهر ، وأصبح محورالإبداع العلاقة بالموقع الطبقي ، والوعي الاجتماعي والفكري لأجل بناء عالم إنساني جديد.
إنّ أول ما يجلب انتباه الناقد عند البدء في قراءة هذا النص هو العنوان ( الاعتراف الأخير )..
والعنوان هوالعتبة الأولى لولوج النص .
وهذا العنوان تشويقي ، يطرح عدة تساؤلات ..
لماذا الاعتراف الأخير ؟
الشيء الذي يوحي إلى أنّ هناك اعترافات سابقة ولم تؤد إلى نتائج ، و أنّ هناك تدمّرا يقلق .
هذه التساؤلات حول العنوان تثير فضول القارئ ،وتحفزه لقراءة النص وتبصرأبعاده وعمق معانيه..
وبولوجنا إلى النص لتحليل مضمونه نجد أنّ الشاعر قد كتبه على شكل مقاطع موزعة إلى أربعة..
في المقطع الأول يعبر الشاعر عن تمرده ، ورفضه لواقع ثابت موجهاالخطاب إلى/ سيدتي /وليس /حبيبتي / يخبرها أنّ اعترافه الآني هو الأخير ، وهو خطير يخضع / للتغيير/ وليس / للثبوت / يتجاوز الماضي إلى/ الممكن ( النظرة المستقبلية ) / ويوظف مجموعة من الدلالات الشعرية التي تخضع لطقوس مختلفة تجسد التناقض والغموض :
سأعترف ُ لك ِ يا سيدتي الاعتراف َ الأخير ْ
سأعترف ُ لك بكلامٍ خطير ْ
سوف َ أرمي مسبحتي
و أقفل صومعتي
و أفل عمامتي و أضع قبعتي
سأعود ُ فلاحاً في مزرعتي
أعبئ بورق ِ الخريف ِ غليوني
أحصدك ِمن مشتاتل ِ الزيزفون ِ
و من حدائق العشب الوثيرة ْ
سأقطفك ِ كجوزة ِ هند ٍ من نخلة عيوني
و اهجرُ كتب َ المنطق و التفسيرْ
وفي المقطع الثاني : يعترف بحبه الكبير /لسيدته / و أن / طيفها يحاصره حتى في أحلامه/ ، ويعترف بأنه ما زال ذاك الطفل الصغير / يتسول حليب حبها/ .. ويستدرك بأنه محتال وجبان ..
وهنا يكبر شعورالقهروالعجز، والانهزامية لديه..
سأعترف ُ لك يا سيدتي أني محتال ْ
دعاني حبك ِ ألف مرة ِ للنزال ْ
سأعترف ُ..
أني اخفيت جبني تحت كوفيات النضال ْ
و تَصنعتُ وَهم َ المعارك ِ و القتال ْ
بل لم تكن لديّ الشجاعة ْ
أن يذوي طيفك ِ عني لو ساعة ْ
أو أتخلى عَنك ِ في أحلامي
أن يفطمني هواك ِ عن مَصِ إبهامي
أن تحذفي من سجلِ الزمنِ .. ساعاتِ الرضاعةْ
فأتسولُ حليب َ حبك ِ من دكاكين الباعةْ
سأعترف ُلك ِ بأنني طفل ٌ برغم ِ القتيرْ
في المقطع الثالث : يبلغ به العشق لسيدته منتهى الارتقاء بها / لست كالنساء / بل أنت كل الأشياء..
و أجمل الأشياء/ وكل جمااال الدنيا ..
ويستحضر رموز نساء من التاريخ ..
فلا واحـدة منهن تبلغ مكانتها في قلبه أ وتأسر روحه الحالمة المغتربة البعيدة ..
ولا ترانيم تشجيه ،ولا عزف يطربه / شعر الميجانا والعتابا / ..
سأعترف ُ لك ِ بأنك ِ لست ِ كالنساء ْ
لست كسعادْ
لست ِ كهويدا و سوسن ْ
لست ِ كعلياء ْ
و لست ِ النادرة َ و المليحة ْ
لم تكوني صديقتي ... لم تكوني خليلتي
لم تكوني حبيبتي
لست ِ عنواناً بريدياً لقلبي
أو مَخدة ً أصورُ فيها غضبي
أو شيئاً استعمله متى أشاءْ
بل أنت كل الأشياءْ .. و أجملُ الأشياءْ ..
و أغلى الأشياء ْ
أنت ِ قطفة ُالطرب ْ
و لمعة ُ خدود ِ العنب ْ
و بحة الميجانا و العتب ْ
و تخمة َ الحلا و أصل التعابير
وفي المقطع الرابع: يشكو الشاعر / لسيدته / تعبه النفسي ومعاناته واغترابه في غربته بعيداً عنها .. يشكوها هواجسه ،وحنينه ،وشوقه ،وحزنه على ربيعها / المخطوف / وحلمه بواقع لائق يتجاوز كل التناقضات ..ويختم باعترافه الاخير : بملازمة متكررة / سأعترف بأني أحبك فقط /
سأعترف ُ لك ِ بأن هواك ِ هذّب َ رئتي
و أنه كرقصة ِ النار ِ في حنايا مدفأتي
و أنه كعلبة ِ التبغ ِ
تطاردني ... تحاصرني فوق َ منضدتي
و أنك ِ ريشة ُ المخيلة
حينما تضوعُ الأسئلة ْ
عن مسرحية ِ الربيع ْ
و كيف خطفنا فصلك ِ البديع ْ
إلى لهفات ِ النرجس ِ و ندفات ِالحبق ْ
إلى أرجوزة ِ المغيب ِ عند الغسق ْ
و تثاؤب ِ الصنوبر ِ من عزم ِ الأرق ْ
و همس ِ الصباحِ في أذنِ الغديرْ
سأقول ُ بأني أحبك ِ فقط
سأعترف ُ بأني أحبك ِ فقط
و هذا هو اعترافي الأخير
.. هذا هو اعترافي الأخير
ليس غريباً أن يملك الشاعر أحمد يمان قباني مثل هذه الرؤيا الفنية الشعرية لبناء قصيدته النثرية وأن يحملها كل هذا الكم من الدلالات والتي هي وليدة انزياحات إيحائية في غير موضعها أو ما يمكن أن نسميه (العدول ) عند عبد القاهرالجرجاني، ويخلق بذلك غموضاً يستعصي على القارئ فهمه ، ويدعوه لمحاولة الفهم عن طريق التأويل . وإعادة كتابة النص طبقاً لنظرية ( موت الكاتب ) لدى رولان بارت..
وبذلك تتعد القراءات .. ويمكن القول بأن المعنى يظل في قلب الشاعر ..
وأختم : من هي تلك السيدة / المعشوقة / التي تغنى الشاعر بعشقها واستمات في حبها ..؟؟
قد ترمز إلى سورية/ الوطن/ ولا شيء أغلى من الوطن ..
قد ترمز إلى الأم / ولاشيء في الوجود أغلى من الأم
والأمر ليس بالغريب بالنسبة لشاعرنا فهو سوري عاش ويلات الحرب والدمار، والمعاناة مما اضطره كغيره من السوريين إلى أن يهاجر ويغترب بعيداً عن وطنه .
النص :
الاعتراف الأخير
سأعترف ُ لك ِ يا سيدتي الاعتراف َ الأخير ْ
سأعترف ُ لك بكلامٍ خطير ْ
سوف َ أرمي مسبحتي
و أقفل صومعتي
و أفل عمامتي و اضع قبعتي
سأعود ُ فلاحاً في مزرعتي
أعبىء بورق ِ الخريف ِ غليوني
أحصدك ِمن مشتاتل ِ الزيزفون ِ
و من حدائق العشب الوثيرة ْ
سأقطفك ِ كجوزة ِ هند ٍ من نخلة عيوني
و اهجرُ كتب َ المنطق و التفسيرْ
.....
سأعترف ُ لك يا سيدتي أني محتال ْ
دعاني حبك ِ ألف مرة ِ للنزال ْ
سأعترف ُ..
أني اخفيت جبني تحت كوفيات النضال ْ
و تَصنعتُ وَهم َ المعارك ِ و القتال ْ
بل لم تكن لديّ الشجاعة ْ
أن يذوي طيفك ِ عني لو ساعة ْ
أو اتخلى عَنك ِ في أحلامي
أن يفطمني هواك ِ عن مَصِ ابهامي
أن تحذفي من سجلِ الزمنِ .. ساعاتِ الرضاعةْ
فأتسولُ حليب َ حبك ِ من دكاكين الباعةْ
سأعترف ُلك ِ بأنني طفل ٌ برغم ِ القتيرْ
.....
سأعترف ُ لك ِ بأنك ِ لست ِ كالنساء ْ
لست كسعادْ
لست ِ كهويدا و سوسن ْ
لست ِ كعلياء ْ
و لست ِ النادرة َ و المليحة ْ
لم تكوني صديقتي ... لم تكوني خليلتي
لم تكوني حبيبتي
لست ِ عنواناً بريدياً لقلبي
أو مَخدة ً أصورُ فيها غضبي
أو شيئاً استعمله متى أشاءْ
بل أنت كل الأشياءْ .. و أجملُ الأشياءْ ..
و أغلى الأشياء ْ
أنت ِ قطفة ُالطرب ْ
و لمعة ُ خدود ِ العنب ْ
و بحة الميجانا و العتب ْ
و تخمة َ الحلا و أصل التعابير ْ
......
سأعترف ُ لك ِ بأن هواك ِ هذّب َ رئتي
و أنه كرقصة ِ النار ِ في حنايا مدفأتي
و أنه كعلبة ِ التبغ ِ
تطاردني ... تحاصرني فوق َ منضدتي
و أنك ِ ريشة ُ المخيلة ْ
حينما تضوعُ الأسئلة ْ
عن مسرحية ِ الربيع ْ
و كيف خطفنا فصلك ِ البديع ْ
الى لهفات ِ النرجس ِ و ندفات ِالحبق ْ
الى أرجوزة ِ المغيب ِ عند الغسق ْ
و تثاؤب ِ الصنوبر ِ من عزم ِ الأرق ْ
و همس ِ الصباحِ في أذنِ الغديرْ
سأقول ُ بأني أحبك ِ فقط
سأعترف ُ بأني أحبك ِ فقط
و هذا هو اعترافي الأخير
..هذا هو اعترافي الأخير.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.