صدمة // محمد بوعمران // المغرب

 

هذا النسيم الصباحي يحمل إلى أنفك رائحة التربة الندية الممتزجة بعبير الأزهار البرية ،وأنت تعبر الطريق غير المعبدة والذي يحفها نبات القصب الأخضر يمينا ويسارا ليشكل جدران الحقول والبساتين المنتشرة على أرض هذه القرية المعطاء ...

كان الفصل شتاء ،والطقس باردا ،وبين الفينة والأخرى تغيب أشعة الشمس مختفية وراء سحب عابرة ،تتجمع حينا وتتفرق اخرى لتفسح المجال للشمس كي ترسل أشعتها على أرض مبتلة مرصعة ببرك من مياه الأمطار التي تساقطت على القرية خلال الليل...

كان أحمد يسير سالكا الطريق ،وهو يسرع الخطى ،غير آبه ببرك الماء ،فقد كان ينتعل حذاء بلاستيكيا طويلا يلبس مثله القرويون في فصل الشتاء لياخذوا راحتهم في المشي والقيام بأعمالهم الفلاحية وسط التربة المبتلة ...

وصل احمد الى بستانه ،ليجد السمسار مرفوقا برجل أجنبي ينتظرانه عند المدخل ،كان الرجل الأجنبي ببشرة شقراء ،وخصلات شعر راسه غزاها البياض،ألقى التحية ونظر إلى السمسار مندهشا وسأله

-من هو هذا الرجل ...ماذا يريد ...هل هو من معارفك...؟

توالي الاسئلة ،أحرج السمسار ،وشعر بأن أحمد ممتعض من حضور هذا الرجل الأشقر...

فرد قائلا وهو يتلعثم :

-إنه رجل فرنسي ...هذا هو الرجل الذي يرغب في شراء البستان...

نظر أحمد إلى السمسار نظرات حادة وقال:

-فرنسي ...يريد شراء بستان في قريتنا ...

أحس السمسار بأن الصفقة في مهب الريح فقال لأحمد محاولا إغراءه:

-نعم فرنسي ...إنه سيدفع لك مبلغا كبيرا ...إنها فرصتنا يا السي أحمد ..حك أحمد رأسه ،حرك طاقيته وأعادها إلى وضعها وتبثها جيدا على رأسه ثم قال للسمسار..

-كم هو هذا المبلغ ...؟

اقترب السمسار من أذن أحمد وهمس فيها ...

-مليار وبضع ملايين

وكررها مرة أو مرتين في أذن أحمد....

قال أحمد للسمسار وهو ينظر اليه بعينين مفتوحتين بفعل الدهشة

- مليار ...وكم من مليون في المليار ...

ابتسم السمسار وقال:

-الف مليون ...الف مليون يا حاج أحمد

كان الرجل الاجنبي ينتظر انتهاء المفاوضات بين السمسار وأحمد ...

ابتعد أحمد عن مكان تواجد السمسار ،وجلس تحت شجرة يفكر في الأمر في حين التحق السمسار بالرجل الأجنبي ينتظران رأي أحمد.

انتفض أحمد ، واتجه نحو السمسار والرجل الأجنبي ،وقال لهما :

-أريد ثلاثة ملايير في هذا البستان ...ثلاثة ....

قالها وهو يرمز للعدد بأصابعه الثلاثة ...

فهم الأجنبي قصده ،فوقع مغمى عليه من أثر الصدمة ...