dimanche 14 janvier 2018

رسام الأحلام (الجزء السادس) // بوزيان موساوي // المغرب


"
أرسم لي من جديد: "سفينة نوح" لأنجو من هذا "الطوفان"

بوزيان موساوي
******
سمعت غوغاء على الباب الخارجي لمرسمي.. فتحت.. مئات الشباب، من بينهم فتيات و أطفال، يتدافعون بعنف و أنانية نحو الدور الأول من الطابور... خلت بداية أن الأمر يتعلق بمظاهرة / مؤامرة ضد طبيعة رسوماتي.. تقدم أحد متزعمي "حراكهم"، طلب مني بلهجة آمرة، و مستعطفة   في ذات الآن:
ـ قررنا تنظيم اعتصام أمام مرسمك، و كل أشكال التصعيد الأخرى واردة، بما فيها الإضراب عن الطعام، أو اللجوء للعنف... لقد طفح بنا الكيل، و وصل السيل الزبى، و ما عادت الوعود الزائفة تطمئننا... (كان كل مقطع من كلامه يقاطع بهتافات و شعارات، و تصفيق و تصفير..)... نطالبك للمرة الألف أن ترسم لكل واحد منا "تأشيرة سفر" (فيزا)... لقد قررنا الرحيل، ودونه الموت
أجبته:
ـ إهدأ.. إسمعوني كلكم رجاء... لقد قصدتم العنوان الخطأ.. هذا بيتي.. مرسم فنان.. و ليس مقر سفارة أجنبية أو قنصلية... فكيف لي أن أرسم لكم "تأشيرة سفر"؟ .. و حتى و إن فعلت، سيسمى هذا تزويرا ويعاقب عليه القانون.. 
أنا مجرد رسام أحلام.. و أنتم، على ما يبدو، تعبتم منها بعد أن تم إجهاضها... قد أرسم لكم البحر، لكني لا أضمن لكم عتو الرياح، و لا علو الموج، و لا رأفة القراصنة، و لا تعاطف حراس الحدود... قد تكون لكم وراء الجدار (كما جدار برلين سابقا) حياة، لكن من يسكن وراء الجدار ليس مستعدا للترحيب بكم... هناك من بعض حكامهم الجبابرة من ينعتكم ب "الحثالة" و يسمى ترامب / أو "العم سام"، و هو ليس عم أحد...و قد يكون هو "حثالة زمنه)")
لم أقصد بجوابي "تهييج" الجماهير التي زارت مرسمي.. و لم أكن أقصد تأجيج عاطفة الكراهية ضد أي كان... الكراهية من صنع الجبناء، و الضعفاء، و المرضى... ، لكن خطابي كان بمثابة الفتيل الذي كاد يشعل الفتنة... هتافات... شعارات.. حرق أعلام و صور...
 أحسست بالخوف... و ليس الخوف من شيمي... خفت عليهم، و على لوحاتي... عليهم حتى لا يتم اعتقالهم و هم في الأصل سجناء فقرهم و بؤسهم و انسداد آفاقهم.. و على لوحاتي حتى لا يكون مصيرها كمصير كتب ابن رشد.. و مكتبة بغداد و الإسكندرية...
تدخلت إحدى الفتيات، و كانت حاملا، قالت:
ـ لدي اقتراح سيدي.. (الهدوء و الصمت من فضلكم... رجاء، لدي اقتراح قد يرضي الجميع)... سيدي !.. ألست رساما؟
أجبتها
ـ بلى... لكني أرسم أحلامكم، لا واقع حقيقتكم..
سألتني:
ـ أيمكنك رسم "سفينة نوح" لإنقاذنا من "الطوفان"؟
أجبتها مستغربا سؤالها:
ـ "سفينة نوح"؟ !!!... "طوفان"؟ !!!.. لم أر تلك "السفينة" أبدا.. قرأت عنها فقط في كتب الديانات... و عن أي "طوفان" تتحدثين"؟.. لم يشهد العالم مؤخرا إلا "تسونامي"، و قد أفتى فيها "رجال الدين منا" ما أفتوا (و ما أكثر الفتاوي التي أساءت لسمعة شعوب وأقطار في غنى عنها...) 
أنا "رسام أحلام" و لست نبيا... و ما هطلت الأمطار أربعون يوما و ليلة... و لو كانت أمطرت، لكنتم على أراضيكم بالمحراث و 
البذور... و ما كنتم طلبتم "تأشيرة" و لا "سفينة".
                                                                                                                                 :قال طفل منهم                                                                                                                                ـ أرسم لنا "سفينة"... تبحر بنا إلى جزيرة... وطن جديد.. لا وجود فيه لغني و لا لفقير.. "نشيده الوطني" قصيدة حب... نتقاسم فيه الثروات...، نتداول زمام أمرنا بالتداول... و منا الحاكم و المحكوم...
أجبته:
ـ سأرسم لك ذلك في "بلاد العجائب طفلي"... أنا "رسام أحلام"... ستكبر قريبا، إن لم يغتصبوا طفولتك قبلها... و قد تعرف بعدها أنك ستتوق للتحكم في غيرك... و تصبح الحاكم الوحيد... و تعاقب من سيعارضك... و ربما، قد يتحكم فيك غيرك... وربما... و ربما... و ربما... ستتحقق أمنيتك ... 
*******


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.