"أرسم لي من جديد: "سفينة نوح" لأنجو من هذا "الطوفان"
بوزيان موساوي
******
سمعت غوغاء على الباب
الخارجي لمرسمي.. فتحت.. مئات الشباب، من بينهم فتيات و أطفال، يتدافعون بعنف و
أنانية نحو الدور الأول من الطابور... خلت بداية أن الأمر يتعلق بمظاهرة / مؤامرة
ضد طبيعة رسوماتي.. تقدم أحد متزعمي "حراكهم"، طلب مني بلهجة آمرة، و مستعطفة
في ذات الآن:
ـ قررنا تنظيم اعتصام
أمام مرسمك، و كل أشكال التصعيد الأخرى واردة، بما فيها الإضراب عن الطعام، أو
اللجوء للعنف... لقد طفح بنا الكيل، و وصل السيل الزبى، و ما عادت الوعود الزائفة
تطمئننا... (كان كل مقطع من كلامه يقاطع بهتافات و شعارات، و تصفيق و تصفير..)...
نطالبك للمرة الألف أن ترسم لكل واحد منا "تأشيرة سفر" (فيزا)... لقد
قررنا الرحيل، ودونه الموت
أجبته:
ـ إهدأ.. إسمعوني كلكم
رجاء... لقد قصدتم العنوان الخطأ.. هذا بيتي.. مرسم فنان.. و ليس مقر سفارة أجنبية
أو قنصلية... فكيف لي أن أرسم لكم "تأشيرة سفر"؟ .. و حتى و إن فعلت،
سيسمى هذا تزويرا ويعاقب عليه القانون..
أنا مجرد رسام أحلام..
و أنتم، على ما يبدو، تعبتم منها بعد أن تم إجهاضها... قد أرسم لكم البحر، لكني لا
أضمن لكم عتو الرياح، و لا علو الموج، و لا رأفة القراصنة، و لا تعاطف حراس
الحدود... قد تكون لكم وراء الجدار (كما جدار برلين سابقا) حياة، لكن من يسكن وراء
الجدار ليس مستعدا للترحيب بكم... هناك من بعض حكامهم الجبابرة من ينعتكم ب
"الحثالة" و يسمى ترامب / أو "العم سام"، و هو ليس عم
أحد...و قد يكون هو "حثالة زمنه)")
لم أقصد بجوابي
"تهييج" الجماهير التي زارت مرسمي.. و لم أكن أقصد تأجيج عاطفة الكراهية
ضد أي كان... الكراهية من صنع الجبناء، و الضعفاء، و المرضى... ، لكن خطابي كان
بمثابة الفتيل الذي كاد يشعل الفتنة... هتافات... شعارات.. حرق أعلام و صور...
أحسست بالخوف... و ليس الخوف من شيمي... خفت
عليهم، و على لوحاتي... عليهم حتى لا يتم اعتقالهم و هم في الأصل سجناء فقرهم و
بؤسهم و انسداد آفاقهم.. و على لوحاتي حتى لا يكون مصيرها كمصير كتب ابن رشد.. و
مكتبة بغداد و الإسكندرية...
تدخلت إحدى الفتيات، و
كانت حاملا، قالت:
ـ لدي اقتراح سيدي..
(الهدوء و الصمت من فضلكم... رجاء، لدي اقتراح قد يرضي الجميع)... سيدي !.. ألست
رساما؟
أجبتها
ـ بلى... لكني أرسم
أحلامكم، لا واقع حقيقتكم..
سألتني:
ـ أيمكنك رسم
"سفينة نوح" لإنقاذنا من "الطوفان"؟
أجبتها مستغربا سؤالها:
ـ
"سفينة نوح"؟ !!!... "طوفان"؟ !!!.. لم أر تلك
"السفينة" أبدا.. قرأت عنها فقط في كتب الديانات... و عن أي
"طوفان" تتحدثين"؟.. لم يشهد العالم مؤخرا إلا
"تسونامي"، و قد أفتى فيها "رجال الدين منا" ما أفتوا (و ما
أكثر الفتاوي التي أساءت لسمعة شعوب وأقطار في غنى عنها...)
أنا "رسام أحلام" و
لست نبيا... و ما هطلت الأمطار أربعون يوما و ليلة... و لو كانت أمطرت، لكنتم على
أراضيكم بالمحراث و
البذور... و ما كنتم طلبتم "تأشيرة" و لا
"سفينة".
:قال طفل منهم ـ أرسم لنا "سفينة"... تبحر بنا إلى
جزيرة... وطن جديد.. لا وجود فيه لغني و لا لفقير.. "نشيده الوطني"
قصيدة حب... نتقاسم فيه الثروات...، نتداول زمام أمرنا بالتداول... و منا الحاكم و
المحكوم...
أجبته:
ـ سأرسم لك ذلك في "بلاد العجائب
طفلي"... أنا "رسام أحلام"... ستكبر قريبا، إن لم يغتصبوا طفولتك
قبلها... و قد تعرف بعدها أنك ستتوق للتحكم في غيرك... و تصبح الحاكم الوحيد... و
تعاقب من سيعارضك... و ربما، قد يتحكم فيك غيرك... وربما... و ربما... و ربما...
ستتحقق أمنيتك ...
*******
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.