dimanche 7 janvier 2018

وليد حسين : خيارات العناوين الملونة بهاجس الروح // نعيم عبد مهلهل



يتعدى الشعر جدران روح الشاعر حتى يتحول الى مرايا تعكس ما كان يختلج فينا من رغبة لنقول أشياءنا عن طريق مزج الموسيقى بالكلمات .
انها قدرية متلازمة ، وهي وحدها من تختار لنا العناوين وتحيلنا الى جعل تلك الجدران هي ملاذنا لنتكئ عليها وندون خواطر أرواحنا ، لهذا كان الشعر ومنذ أول خليقته يمثل وجدان الموهبة التي يُمكن ان تتميز عن البقية ،لأن الشاعر يعيش اللحظة بعمق اخر ،غير ما يعيشها باقي الناس.
كان الشعر في أبديته حالة غامضة تسكن فينا، واقرب ما يجعلها واضحة ومعبرة ومرئية ومسموعة هو التعبير عنها من خلال الكلمات ، حتى لو على شكل هذيان او بدون عنوان، المهم انك تطلقها في فضاء تشعر فيه انك أنجزت جزءا من رسالة كلفك بها الهاجس الغامض الذي منحك هذه القدرة لتذهب بعيدا . وتصبح الشاعر الذي يكون بمقدوره ان يعبر عن كل موجودات الكون بطريقة خاصة تقترب من ذات الطقوس الأولى التي سكنت ذاكرة البشر ومنحتهم القدرة على التعامل مع المتغيرات الكونية ، وكل هذا كان يتم بالتراسل الشعري والصوتي حتى قبل ان يكتشف الانسان اللغة وحرف الكتابة.
لقد ولد الشعر من دون عنوان ، لكنه اليوم من اكبر العناوين الثقافية والاجتماعية والدينية في حضارة العالم.
لهذا فأن ولادة ديوان شعري واحد كل يوم وعلى سعة الكرة الأرضية يكفي ليشعر المتتبع للنتاج الثقافي بأن الأرض ما زالت وستبقى بخير,
فكيف الحال اذا كان من بعض صاحبي تلك الروحانيات الشعرية من يضع اكثر من ديوان في كل عام ، اذن هو يتبع مسارات الضوء في جعل موهبته وهاجسه امتدادا لكل تلك الإثارات المدهشة التي كان يعيشها إنسان الكهوف وهو يراقب المطر وضوء النجوم وطيران عصافير صباحات البسيطة.
هناك كانت الدنيا وكان على الانسان الأول أن يمتدحها بما تشعر فيه أعماقه ، فكانت القصيدة هي اول إشارات التعامل بين البشر وموجودات الطبيعة.
وأكرر ان كل تلك الإرهاصات كانت لا تحمل عناوين . انها السديم القادم من المطلق الروحاني العميق الذي ينساب كما تنساب دمعة العين لتحقق في حزنها شيئا كبيرا .
هذا هو الشعر وذلك هو الشاعر واي العناوين إن كانت عريضة وإن كانت صغيرة ، فانه يذهب بها الى المحتوى ،وحتما المحتوى هو خلاصة ما أجهضت الرؤى في أعماقه لتتحول الى كلمات بموسيقى او بترتيل او بسجع.
انه كاهن أزمنة الكتابة يمشي الى المماشي ليثبتَ لذاته ان خطوته المعنى وأرصفته تأمل الذين يعبرون  الى ضفاف أحلامهم والتي يعبر هو عنها بطريقته الخاصة ، كما يفعلها هنا شاعرنا المجتهد وليد حسين في نصوص يعنونها عبر ما يود أن يثبته لنا انه يعيش الهامه اليومي لحظة الصلاة ولحظة مشاهدة أحزان وطنه في التلفاز وفي عمله الوظيفي ،وآخر الليل ، وحين يدفع خطواته على رصيف ذكرياته .
 دائما هناك ابتكار للحظة يريد فيها ان يتواصل مع قارئه والعالم، ليس من اجل ان يعرفوا ان لمعان القصيدة باقية في أجفان وليد حسين بل لأن القصيدة من بعض ممكنات العيش في جسده عندما تكون هواءُ وعطرا ومناجاة يحتفى بها.
هو كما سندباد يبحث عن مطلق يغامر في الذهاب اليه ،فتجدهً الحس العميق من السلوى والمناداة والحنين والتواصل والتفكير ، كلها تهيء له ما يعتقده تأثيرا شعريا لتجربته مع الحياة التي عاشها في زهد المهجر والعوز ، لكن كنزه بقي شعريا يعبر فيه عن بوح عميق لدهشة القول القادمة من أعماقه وهي تحرك فينا ديمومة الوجع المغمس برغيف الأمل ، من ان الحياة لا يستطيع التعبير عن شيء سوى ما يقرره الشاعر ( وليد حسين ) ويوصله لنا على شكل نص ممنهج في قوته البلاغية والانسانية ، فقط ليذكرنا ان الشاعر كما يقول دانتي ( الأقدر للهبوط والصعود في كل ما تتخيله الأعين من امكنه ، الفردوس كانت أم الجحيم).
وليد حسين يتمكن من جعل تفاعلات النص حداثة للتوهج الروحي حتى عندما تكون شاهدة النص وعنوانه نفيا للعنوان ، فهو في بدء لافتته التعريفية  ( بلا عنوان ) يتركها في هيام الافتراض وسرعان نجد القصيدة والشاعر يتلازمان في التعبير عما يحدث ويعيش ويتحول ،حتى عندما يكون هذا التلبس بين الشاعر وقصيدته عن طريق إنشاد روحي معبر ممنهج في جعل النص موازيا تماما لما تشعر فيه أعماق الشاعر وتبثه لنا /
((أسرجتُ ظلّاً ..
وما أدركتُ وجهَتهُ
لطالما في ضياعِ الخطوِ أَتّحِدُ

شتاتُ دَهْرِكَ بالأفاقِ مُنْسَرِحاً
يجتاحُ أزمنةً قد هَدَّهَا الأمدُ

كم من رحيلٍ ..
طوى جيلاً بذاكرةٍ
ورحتُ أسألُ عن ليلى .. فلا تُردْ))
يكتب وليد حسين نصه الشعري بأنساق متوازية مع القدرة والموهبة اللتين تلازمان حضوره الحياتي ( البيت ، الدائرة ، المنتدى الثقافي ، ملتقيات الأصدقاء ، منصة مهرجان ما ) .
كل هذه المحطات هي شيء من دلالات الرؤية التأليفية للنص الذي يتقن وليد حسين كتابته تماما حتى عندما يكون من دون عنوان.
فهو يمتلك تجربة شعرية ،اكتسبها تواضعه وبساطته الكثير من الهيبة والاحترام لدى متابعيه وسامعيه ودارسي نصه الشعري ،كما انه صاحب منتج ثري وكبير في تعدد إصداراته وخلال فترة قياسية ،لهذا فأنه لا يجد أي معضلة وإشكالية في أن يكون نصه الشعري تتابعا لمسار اليوم بشتى زواياه ، وأيضا قصيدته في عميقها هي تجربة ذات الشاعر في تعامله مع البيئة والواقع والمتغيرات.
إنه يعبر عن الواقع وما بعده ومافي داخله وتلك هي واحدة من قدرات وإمكانية الشاعر المتمكن.
يسعى وليد حسين ان يجعل قصيدته بتوازن روحي معرفي ،ويضبط إيقاع قصيدته مع مدى علاقة ذاكرته بالحدث والمكان ، وفي كل كتبه الشعرية يتعقب نداءً واحدا ، لكن هذا النداء يتشظى الى أفاعل وصور وأحداث حتى انه في بعض إضاءات الحس لديه يتحول الى شيء من صوفية الحزن ليصدرها الينا نداءا عميقا من سحر بلاغة وصدى وهموم تتعلق في ذكريات حياته ، فتتنوع لديه العناوين ، لكن العمق الحزين يبدو ملازما لكل مسارات حياته ،وحتى عندما يفرح يكون لديه شيء يهم حياته الروحية فأنه يذهب معه الى إيقاع الأسئلة والأحلام التي تهم وجوده ووجود من حوله ،الوطن ،رفاق مسيرته ،الحدث التاريخي ، وخصوصا تلك الإرهاصات التي ارتبطت بعاشوراء ومصائب أهل البيت.
وغيرها من وقائع تهم ثقافته الروحية والثقافية التي وظفها عبر صورة شعرية تلونت بمديات وعي الشاعر بما يمتلكه ، فأتت تلك اللغة بالرغم من غنائيتها الحزينة ، إلا انها تحيل القارئ والسامع الى قدرة تتفاعل عبر ذلك العميق الذي لقد يحتاج الى عنوان ملون وعريض لتعرفه.
شيء من خصوصية اللغة سكنت عالمه ، وجعلتنا ننظر الى مجمل تراثه ومنتجه الشعري نظرة احترام ، لأن وليد حسين يحب قصيدته وأشعر أنا كقارئ أنه يكتبها بهاجس خفي يدفعه بطاقة مرئية وخفية ليظهر لنا نصا متوازيا حتى يكون فيه شيئا من الحماس والتعصب ،ولكنه كما يقول :انها قضيته التي فُطرَ عليها ، وعليه ان يحيا ويموت من أجلها.
صنع وليد حسين رؤياه ليكون شاعرا وليس غير ذلك ، انه من الشعراء الذين أتوا بعد التغيير ، وقد كتم كل طاقة موهبته في أزمنة السفر البعيد والحصار ليتنفس ما في رئته من لهفة ليقول لنا في صورة بلاغة وجمالية وموسيقية هذا الكلام المرتب باحتفاء ونسق انفعالي هادئ مرات ومضطرب مرات.
وربما هذه الصورة الشفافة والتي تضيء بلهب عاطفة عالية التدفق والتصور والجمال والتي ترينا مدى علاقة الجمال بروحه في قدرتها على تصدير لهفتها ورسالتها وبوحها :
(( لي رعشةُ البوحِ
لو تمتدَّ وارفةً
تبدي كشهقةٍ طفلٍ طالَها الحَسَدُ ))
هذا هو وليد حسين يصف لحظة الكتابة الشعرية بإيجاز يكاد يكون آتياً من اعمق ما فيه ولكن بتوازن صوري تتلسبه كما الطفل في شهقته التي لا يعلم مدى عاطفتها ، ولكن الشاعر يعلم بها ، فيحولها الى صورة معبرة تظهر الكثير من فلسفته الشعرية حتى عندما تكون شهقة الأطفال معبرة عنه.
وما قبل هذه الصورة تعبر ما بعدها عندما يعرف الشعر بطريقة حماسية متحدية تلتصق به ولايود ان يفارقها ، ليخبرنا ان الشعر رسالته الأزلية في الحياة وبها يستطيع ان يكون متوازنا في حضوره الحياتي حتى على الصعيد العائلي :
(( لا تسأليني أذا أهْمَلتُ قافيةً
فالشعرُ ريشةُ هُدْبٍ مسَّها الزبدُ ))
 بين الشعر والهدب الناعم يستطيع هذا الشاعر النحيف والذي يقول عنه من يعرفه ان قلبه وقصيدته ينبضان بأيقاع ويتناغمان بموسيقى حنان عجيب ورأفة وطيبة ليوصلا بين الشاعر ومحيطه.
عالم وليد حسين التي لا يحتاج عناوين لتعرف فيه هو عالم الحقيقة التي يمكن ان ننسبها الى الشاعر الملتزم الذي كنت ودائما معجبا بخصوصيتها على انها بعض تفرد الانسان الذي يصر على التعريف بنفسه من خلال منجزه وليس من خلال منصبه.
الرجل الشاعر الذي له صفة التميز على انه شاعر أولا ، قبل كل شيء ،ويبدو للذي يقرأه ، ان هذا العالم الشعري هو النتاج المهيمن على التصاوير العميقة التي تحاول بها أشرعة سندباده ان تبحر بنا الى تنوعات من الإلهام المتناغم مع ما يريد ان يبثه لنا شاعر مثل وليد حسين ، فضل أن يجعل رسالته هو النظم ليس من اجل متعة السماع المؤقت بل هو يصنع قصيدته من اجل متعة أرواحنا والذهاب بها الى متون من قراءات واعية ولذيذة يوفرها الشاعر في صوره وأفكاره وأوجاعه أيضا.
لم أنتبه الى نص محدد في العالم الشعري وليد حسين ، سوى انني أخذت شذرات من نصه الموسوم ( بلا عنوان ) في قصد مني لأجعل قراءاتي لهذا الشاعر الذي نوهت عنه في اول كتاب شعري وقلت حينها: إننا عندما نقرا اليوم شاعرا عذبا مثل وليد حسين سنصير المحفز الروحي والكوني له ، لنفجر ونظهر الف كتاب يسكن أعماقه ،وبالفعل أتت متواليات هذا الشاعر لترينا وجها اسمرا ،لكن أعماقه بيضاء نقية تنساب أمامك ببحور منغمة من جمل يسعى ليطربنا فيها نغما وحكمة وصورا شعرية جميلة.
 يكتب وليد حسين ليس من اجل أن يثبت للأخرين انه شاعر ، فهذا أمر لا يهمه ،إنه يكتب ليثبت الى ما يسكنه أن الذي يرقد في أعماق روحه قد تحرر بلاغة الشوق والبوح واصبح كلمات على شاشة الحاسوب أو أسطرا على ورقة او تلوينا لغلاف كتاب الشعر.
لقد احتفى بما لأحتفي به سواه عندما تشعره روحه ان القول وتعدد المنابر تبشر بواحد تحدى ألف ظرف قاس ، ليظهر لنا بكامل هيبته فينشدنا من ضمير البوح أغنيته المصنوعة من أوزان ما يتدفق مع الإيحاء ، فتأتي همسة القصيدة وأمطارها من دون تخطيط مسبق.
وليد حسين الذي يمكننا ان نلخص تجربته الشعرية بأنها (اجتهاد الروح قبل اجتهاد القلم والورقة ) .
هذه الروح التي سعى من أجلها الشاعر ان يكون وفياً لقضيته وموهبته ، وأن لا يجعل كل الظروف القاهرة التي مر بها لتكون عقبة في سبيل تفجير ما فيه من طاقة للوعي التي لازمت تفكيره وموهبته منذ أول صباه وحتى نضوج التجربة الشعرية التي يقرأها ويسمعها الجميع اليوم
وليد حسين الشاعر الذي يسكن بغداد ،ويمارس وظيفة تربوية هو اليوم من الأصوات المهمة في المشهد الشعري العراقي ، والذي يبتعد عن الأضواء كثيرا ولايزاحم أحدا على منصة ،إنما هو رجل لقصيدة تحترم ذاتها ويفرض علينا ان نحترمها أيضاً.
انه شاعر اللغة الغنائية وفيه شيئاً من حداثة صوفية تسكنها المناجاة وتجعلنا نرفع من أجلها قبعة الأعجاب ، لشعورنا أن وليد حسين هو من يريد لقصيدته لن تكون خيطا من الضوء الذي يوصل قلبه بقلوب الاخرين.
*******                      
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.