!!لا تأخذوه .. لاتأخذوا بابا إتركوه بابا ،يا بابا ابق معنا
هكذا إرتعد الصباح ذات يوم من أيام تشرين الباردة المصحوبة بزخات المطر على صوت صراخنا وبكائنا . صحونا على خبطات قوية على الباب إفتخ بابك إفتخ باب .. وصوت طلقات مدوية أرعبتنا.. فتح والدي الباب بحذر وهدوء شديد وإذا بهم مجموعة من جنود الإحتلال يقفون على الباب وبنادقهم مصوبة نحو أبي.. صرخ أحدهم أين الشباب رد أبي أي شباب ؟ أنا ليس عندي في البيت سوى زوجتي وأطفالي . دفش بكعب بندقيته أبي وصاح فتشوا البيت دخلوا يفتشون البيت كالذئآب المسعورة ،أقاموا البيت ولم يقعدوه ولم يبق شيء في مكانه، ونحن نصرخ ونبكي ونمسك بثوب والدتي مختبئين خلفها . لم يجدوا شيء ولكنهم إقتادوا والدي معهم وهو في ثياب النوم ،أردت أن أمسك به وأشده من بجامته وهو يقف على الباب ، ولكنهم صرخوا في وجهي
.. وأطلقوا الرصاص في الهواء ليخيفوني ونحن نصرخ من خلفه بابا لا تذهب معهم اتركوه لا تأخذوه يا بابا أبق معنا
لم تشفع لنا دموعنا وصراخنا ولا تهدئة أمي لنا رغم خوفها الشديد وحيرتها على أبي، كانت تحاول أن تبقى قوية متماسكة تداري دموعها وتتظاهر بأنها تقوم بتحضير الطعام . جلسنا نبكي على أبي لماذا وإلى أين المصير . من ذَا الذي أحدث الرعب في بيتنا ودب الخوف في قلوبنا ؟ أذكر كان عمري حوالي عشرة أعوام واستطعنا أن نتسلل إلى خارج البيت أنا وأخي الأصغر خفيةً عن أمي لنرى والدي أو نلحق به . كان بيتنا في الطابق الأول تمكنا من الوقوف خلف البوابة لنرى الشارع وماذا يحدث ، وإذا بكل الرجال الذين اقتادوهم مثل أبي راكعين في وسط الطريق ويديهم فوق رؤوسهم ومعظمهم في بيجامات النوم
مشهد لن أنساه أبداً، هزّني زلزل كياني أخافني وأربكني ..قمة الذل والهوان وكأن الإنسانية خلعت كيانها . وددت لو أستطعت أن أفديك بعمري يا أبي وأركع بدلاً عنك ليت حروفي تملأ الدنيا وتنشد السراب . سالت دموعي كقطرات المطر وزمجرت السماء وبقيت صورهم عالقة في ذهني وفي كل كتاب وسطر . فقدت الأرض عذريتها وصاح صوت الجلاد وسالت الدماء .. تلوثت الينابيع ويبس الزرع وسنابل القمح وشاخت الحقول وذبل الزهر والياسمين وزفت فلسطين على سلالم الأغراب ووقفت على بوابة من يدّعون العروبة والأعراب
... وعلى أرض السلام وقف السلام خلف الأطلال لا لوم ولا عتاب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.