على خشبة المسرح.. جمهور يفتتح العرض بالتصفيق..يسقط نص المسرحية من في قاع النسيان..لم يعد يذكر شيئاً.. ثلاثة أشهر من التدريبات و الحفظ و الإعادة كأنها احترقت دفعة واحدة.. شاخص العينين في جمهوره.. فكر أن يصرخ في وجوه الجميع.. غادروا القاعة.. أحتاج وحدتي.. تراجع.. مغمضا عينيه مدّ ذراعيه في الأفق محدثاً إرباكا لتقنيي الصوت و الإضاءة.. " لقد قرأت في غيابكِ جميع رسائل جبران و غسان كنفاني و العقاد.. إلى حبيباتهم الكاتبات.. كان يملؤها الحزن جميعًا..أنا أريدك دائمة الفرح.. لم أكتب إليكِ..بلى كتبتُ رسائل كثيرة.. نمتُ و أنا أحضن ورق الكتابة.. رسمتك بقلم الرصاص.. كنت جميلة وأنت اللوحة.. أكثر فعل دقيق أرهقني هو كيف ألون شفتيكِ.. اخترت دمي ليكون أحمر شفاهك.. حين تتعدد رسائلي تصبح حبلا حول عنقي.. و تتحول غرفتي إلى قبو من الغربة.. فأزداد توتراً.. و كعقاب للذاكرة و للحنين.. أحرقها دفعة واحدة.. كانت روائح الاشتياق تنبعث من دخانها.. صرخات الانتظار تحت اللهيب كأنها موج على ساحل صغري..مرة.. بقيت صورتك على الورقة المحترقة.. لقلم الرصاص سحر.. كنت تبتسمين لي.. لا دمع غياب على خديك.. أنت بملامحك و لون عينيك.. بتدفقك المعهود.. من الغد صنعت صندوقاً بلوريا و وضعته على الورقة المحترقة حتى لا تذروها نسائم البرد المتسللة من النافذة.. حافظتِ على عهدكِ..كنت تؤنسين وحدتي.. تسألينني عن يومي و ترتبين الغرفة حين أغادرها صباحاً.. تملئين حضني وأنا أفتح الباب مساء.. تعدين لي قهوتي و تضعين منفضة السجائر.. ناقشنا أوضاع البلد.. تحدثنا في كل شيء.. فقط ذكرياتنا لم نجد الوقت أو الرغبة للغوص فيها.. لقد كانت كل ليلة ميلادا جديدا.. تمسحين على جبيني.. و تعيدين جملتك التي حفظتها.. أرهقتك الأيام حبيبي.. ذلك الفيض من الحنان و الحب يجلب لي النوم.. قبلة واحدة كل ليلة و أنت تدثرينني قائلة.. أنا أحرسك من كل سوء.. فأنام".. فتح عينيه على سيل من دمع الاشتياق و التذكر.. تصفيق يهز أرجاء القاعة.. لقد صوّب المخرج الإضاءة نحو ملامح وجهه أثناء حديثه.. تحدث كثير من الحاضرين أنهم رأوا امرأة تنهض من بقايا ورقة محترقة على الركح و تحضن الممثل إلى صدرها.. كان عطرها بين رائحة الورد و العنبر..همست في أذنه ثم توجهت للحاضرين
..هذه هي الحقيقة التي لم يقدر النسيان عليها
..الآن يبدأ عرض المسرحية
******
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.