dimanche 16 juin 2019

قراءة في ديوان "أحلام بالأبيض والأسود " للشاعر علال الجعدوني // محمد مهداوي // المغرب



يشرفني ويسعدني أني كنت طرفا في ديوان...أحلام بالأبيض والأسود...هنيئا للشاعر المبدع علال بن عبد القادر الجعدوني
تقديم
بقلم ذ.محمد مهداوي

من خلال قراءتي المتمحصة لديوان مبدعنا علال بن عبد القادر الجعدوني ،تبين لي أن شاعرنا ، وهو غارق في بوهيميته ، ينهل من بحر العشق معانيه ومن شطآن الثورة مفرداته ، تزاوج محترم بين الفردي والجمعي ،حيث يلتقي الكائن مع الممكن ،المحذور مع المتجاوز ،كأنه يبحث عن قصيدة غير مكتملة ، في جزيرة يحرسها قرصان . ليس له الحق العبور إليها و الرسو في مينائها .وبين هذين الجسرين، يتلذذ بنير الألم ، كدراكولا حين يستمتع بامتصاص الدماء، هي مازوشية قاتلة ،تكبل ذراعيه وتجعله عبدا ،لا الأسر يرحمه ولا الحرية تخفف عنه كروب الحياة ،ولقد خص للألم قصيدة منفردة سماها (على رصيف الألم):
أتألم
أتعذب
أموت في بط ء
في نسيان
ولا من ينقذني
من بطش الطعنات الغادرة
واستفحل الألم في كثير من تعابيره حتى أصبح طابعا يكلل معظم قصائده ، يقول نيتشة (المتعة والألم مرتبطان بقوة معا ،ومن يريد أكبر كمية ممكنة من المتعة عليه أن يقبل بكمية تساويها من الألم)ويظهر مفهوم الألم جليا في قصائد خصصها الجعدوني لوطنه ولخليلته
:¤الوطن
...وطني
رجاء لا تخبر عني
أهلي عندما أسافر
وأرتمي بين أمواج البحر
:¤الخليلة
يكبر الوجع في أعماقي
تتعسر ولادة الكلمات بين شفتي
أغرق في احتساء دمع عذاب أحلامي
حين ترتبط اللذة بالألم ، يصعب على المرء تجاوزها ، فلذة العشق ،رغم قساوته محبب للعشاق ،ولذة السكر أو العسل جميلة ،لكن المبالغة في أكله قد يحدث عسرا في الهضم و ألما في المعدة ،شأنه شأن العاشق الولهان ،الذي قد يفقد عقله ويختل توازنه ،إذا بالغ في ولهه و هيامه
"الألم"ليس هي الصفة الوحيدة التي ذكرها شاعرنا الجعدوني في قصائده ،وإنما هناك رغبات وصفات أخرى ،فرضت نفسها عليه ،ونذكر بعضها في هذه القراءة المختصرة :
:*الوله الوجداني 
هو ولَه يشبه وله مجانين العرب مثل مجنون ليلى و مجنون بثينة ،حيث يفقد المجنون توازنه و تحكمه في مشاعره ، تراه دوما تائها بين كثبان الرمال ،متلذذا بكل ما يوحي لخليلته من نوق وضياء ونجوم وخيال ،ففي قصيدته (رقصة على زخات المطر)تحس بهذا العشق الحالم ،العشق الذي يضمد الجراح ويشفي القلوب من صبابة البين والهجر(تعالي ضمدي جراحي – اغسليني بماء العطر )
كلما حاولت أن أتفادى جحيمك
يوقظني لهاث الشوق
فآتيك مهرولا
كالمجنون
:*لعنة الإنتظار 
الإنتظار عند مجنوننا لغة أخرى خفية ،عميقة الدلالة ،قد تتحقق في الحلم كما قد تتحقق في الواقع ، وقد يكون انتظارا أزليا ،مثل المريدين الذين ينتظرون شيخهم بالظهور أمامهم في اي لحظة ،وإن غابت صورته ينتظرون مشاهدته في الحلم .(لكن أوقات المواعيد - تظل معلقة في سجلات الانتظار)- (انتظريني – إليك أنا آت – من ظلال الحلم العميق)- (انتظريني أنا خلف الستار – إني على قطار الرحلة الأخيرة ).إذن هو غالبا انتظار مؤجل والمحطة دوما مبحوث عنها ،السفر مستمر إلى ما لا نهاية ، من مكان إلى مكان ومن رحلة إلى أخرى ،ولا شيء يوحي بانتهاء الرحلة.
:*صفة الكبرياء 
يشهد تاريخ العشاق أنهم شربوا جميعا من كأس المذلة والخنوع ،وقصص المجانين خير دليل على ذلك،إلا أن شاعرنا مزج بين الرضوخ للخليلة تارة والثورة على تقاليد العشق أخرى ، ففي قصيدته (اخلعي كبريائك)يثور ضد الذل والاستسلام قائلا
مهما حاولت أن تهزميني
...لن تنالي مني
أبدا
أنا لك بالمرصاد
لن أستسلم
:*شمس الحرية
الحرية شمس تشرق علينا كل صباح ،والعبودية تسدل ستارها كل ليلة على جباهنا المعفرة بلون التراب ، وبينهما آمال وطموحات ،آهات ومعاناة ،تمازج بين السواد والبياض ، مد وجزر ، ظلام وأنوار، ،صراعات أزلية بين الخير والشر ،بين اليأس والأمل ،تساؤلات متعددة ،فهل نحصل على أجوبة شافية لها
متي ستمر السحابة
وتبتسم الوجوه ؟؟؟
متى سنعانق خطاب الحرية
وطن في جوف السحاب يسبح دون اتجاه ،الرياح مزمجرة ولا ورقة توت تغطي عورته (لك الله يا وطني)
لكن الأدهى والأمر حين ترتبط الحرية بالفرد ،فتكبل سعادته و تعكر صفو مشاعره،ففي هذه اللحظة لا بد من التمردعلى قلب يرضى بالهوان والذل 
لا تستسلمي لسخافات الأشعار الموبوءة
ازرعي سنابل الحرية
:*الحلم حق مشروع 
ترددت كلمة الحلم كثيرا في قصائد مبدعنا ،ولقد سمى إحدى قصائدة ب (همسة في جبين الحلم)
هذه نماذج على ورود لفظة حلم في النصوص الشعرية لمبدعنا الجعدوني  تقتفي حلما - وألبسني معطف الحلم – كأني جئت من حلم – كم حلمت بك – خذيني للحلم الذي بعثرني – أحلم بإنهاء تعذيبي – يا همسة في جبين – من ظلال الحلم العميق – إني أحلم أن أرى فيك مظلة أحلامي – إلى حيث يحلم الشرفاء – حلمي الذي اعتنقته منذ الصغر – حلم راودني من زمان – مات حلم العروبة – مات الحلم الذي رسموه على خارطتك يا وطني ) 
هو حلم سرمدي ،تارة يظهر في ثوب خيال وأخرى في ثوب ذكرى ،كما قد يبرز في ثوب قصيدة عصماء ،ولن تأفل أنوارالحلم أبدا ما دامت القصيدة غير مكتملة
:*الثورة على الوضع السائد 
إلى جانب القصائد الوجدانية ،نسج شاعرنا قصائد تحث على التمرد والثورة على هذا الوضع المتردي ، الذي بخس من قيمة أبنائه ،فالوطن لم يعد يكفي للجميع ،لذا هاجر من هاجر ومن بقي مضطرا ، رفع دعوة النضال ،بحثا عن غد أفضل
إنك في القلب
لا تبتئس
...مهما طال الشمس
يا وطني
رغم التمرد العارم الذي يكنه لهذا الوطن ،فهو الملجأ والمضجع وقت الهجيرة ،يقال (من الحب ما أحرق صاحبه )،مثله مثل الفراشة التي تعشق النور ،لكن ما تلبث أن تقع في لهيب النار
في عشقك يا وطني احترقت
بنار حبك...اكتويت/أقبل العذاب
...أنت قرة عيني
أقسمت بدم الشهداء ألا أخونك
:خلاصة القول 
استطاع مبدعنا علال الجعدوني مجاراة الكلمة الرنانة بسمفونياته ،التي تتميز بنغمات راقصة ،وإيقاع متدرج ،وكأن القصائد أعدت للغناء ،مع تناصات كثيرة مع شعراء ومبدعين حداثيين وقدماء ،ففي قصيدته (رقصة على إيقاع زخات المطر) تشبه إلى حد ما عنوان لرواية سوزان ستيفنز(رقصة على إيقاع الحب)ونفس الشيء لقصيدة( لك الله ياوطني) و (على رصيف الألم)-( وكلام في حضرة العشق)...
كما استمد شاعرنا مرجعيته من بعض شعراء الغزل كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة علاوة على تناصات مع شعراء القومية العربية كمحمود درويش وأحمد مطر وأبي القاسم الشابي (الجعدوني :ستنفرج يا وطني – متى يستجيب القدر ؟؟؟=تناص مع أبي القاسم الشابي)
ويبقى الجعدوني كتابا مفتوحا ، يحتمل أكثر من قراءة ، لتميز قصائده بالعمق الفكري والوجداني ، علاوة على غزارة إنتاجاته وتدفق قريحته ،وانسيابية تعابيره و تدرج سردياته ،فلا يمكن الغوص في جوف إبداعاته المتنوعة من خلال قراءة تقديمية مختصرة ...أتمنى أن أكون قد قربت لكم بعض المفاهيم والصور التي تزخر به قصائد مبدعنا ،فإن توفقت فمن الله وإن تخاذلت فمن نفسي 
لكم مني خالص مودتي ومحبتي 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.