لا أريد أن أترك أثرا، و لا حتّى بقايا حوارات، أريد فقط أن أسقط ميّتا كعصفور أصابته رصاصة و اختفى بين أشواك الأحراش.. أعتقد أنه لا فرق بين الضفتين، هنا يموت الزمن كعجوز عاهرة، يتحلّل الجمال بفعل الرّطوبة و الكآبة، و يتفتت النبض، هنا رأيت كلبا يجرّ بحبل وثاقه قلبا آدميا، كان الحصى يرصّعه كحبات الياقوت، و لهاث الكلب جعل الجوّ حارّا، سألتها و هي تجلس بجانبي: " لمن هذا القلب " أجابت " سقط بالأمس شهيداً.. رفض أن يقول نعم فأصابته نار صديقة" حين أكملت جملتها كان ذلك الحيوان الأليف قد غاب عن ناظري ..
في الجهة المقابلة، ليس بعيدا، كانت قطة بيضاء جميلة تستلذّ شبقا، تموء
في غنج و قطّها يقضم فاكهتها، أصابها الخجل فاحمرّت وجنتاها، أما أنا فلقد رأيت
ذلك الهرّ المسكين يستجمع قواه بعد حفلة الرّقص، يلتقط ما بقي من طاقته المبعثرة،
يفعل ذلك غير مبال بالزمن.. أحسست أنها تقترب أكثر مني دون أن تلمسني، ثمّ قالت
" أريد أن أحدّثك، لا تقاطعني، لا تحاكمني، و لا أريد رأيك في ما سأقوله..
أريدك أن تكون منصتا".. أشرت بإيماءة مبديا موافقتي و علّقت همسا في
صدري" لقد اعتدت خطب مساجد يوم الجمعة، لك أن تكوني إماما و لي أن أرفض الصلاة
وراءك"
هل
حدثَ لكَ أن تشققتَ مثل جبل صخري باغته الزلزال؟ هل حدث و أن أضعت إيقاع خطواتك
على الرّصيف؟ ربّما سأحدثك بطريقة غير منظمة، لكن يجب أن تبذل جهدا لتفهم كلامي،
لقد وصلتُ إلى مرحلة هامة في حياتي، مرحلة أصبحت فيها متحرّرة من الزمان و المكان،
فقدتُ كلّ انتماء و هذا أراحني، كنت أفتخر و أنا أمام المرآة بهذا النّمش الجميل
على جسدي، أشعرني ذلك أني متأصّلة في الجمال، و أن لي جذورا تمتدّ إلى الضفة
الأخرى، عشت كطائر الرحلات معلقة من أهدابي و أنا أنظر باتجاه البعيد.. حين أفقتُ
يوما على قرعٍ مختلف لبابي، دقات تشبه نقر منقار الطّير فرحتُ كثيرا، أعتقت كل
تخيلاتي و كنت أسمي ذلك حلماً، و نضجت كعنقود عنب، هل حلمتَ أن تسكرَ مثلي
بعصارتك؟ كم هو فاتن ذلك الأمر، الآن يا صديقي أنا بجانبك، أزحتُ عني كل تلك
الخرافات، لقد أصبحت صلبة بما فيه الكفاية، حبة لوز فقدت نظارتها و تيبستْ قشرتها
و لازال ذلك الّلبّ الحلو محفوظا داخلها، أحتاج أن أنتقل إلى الضفة الأخرى، في
طريقي عثرتُ عليكَ، أغرتني جلستك، فاسمح لي أن أبدد وحشتك و لو لبعض الوقت..
مسكتُ
يدها، و مررت ابهامي بحركة لولبية على ظاهر كفها، أشرتُ إليها باتجاه الغروب
" يمكنك أن تنتظري معي حمرة الشفق، فمنها أوقد نار ليلي و هذا يبعث في كامل
جسدي دفءا، يمكنك أن تنتظري دفئي و لك أن تغادري متى شئت، أنا بانتظار
شيء ما
لعلّه أنتِ".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.