لازلت اتذكر تلك اللحظات الجميلة من صباي حين خطت خطواتي عتبات الكتاب أول مرة.كان موقع الكتاب في منتهى رأس الدرب الذي يوجد به بيتنا.وهي فرصة مواتية لمراقبتنا نحن الصغار من طرف الأهل والجيران.فقد كان الفقيه سي عمر رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه حريصا كل الحرص على تعليمنا.حيث كان صارما مع المتهاونين.كنا نفترش الحصير ،وتبدأ حصص الدراسة بمسح الألواح الخشبية،ومدها للفقيه ليكتب لنا السور القصيرة قصد حفظها.يتناول يراعه القصبي ويغمسه في الصمغ للكتابة.فقد كانت حواسه لا تكف عن العمل.اليد تكتب والاذن تسمع استظهار الاطفال للقرآن.وبين الفينة والأخرى، كانت عصاه تقرع رؤوس النائمين والمتكاسلين.وعند الانتهاء من كتابة اللوحة نضعها لبضع ثوان في الشمس لتجف وتستمرعملية الحفظ.وكل مقصر كان ينال الجزاء الاوفر مما يعرف عندنا آنذاك ب(الفلقة).وكم كانت سعادة الفقيه كبيرة عندما يتسلم لاربعيا او لحديا.كنا لا ندرك قيمة ولا مفهوم هذه المصطلحات.نرددها بالالسن أكثر من الحفظ مخافة العقوبة.وقد كان لها وقع كبير في نفوسنا.ورغم هزالة الثمن المدفوع للفقيه،يبقى دور التربية والاحترام راسخا في الاذهان.تبدأ التربية من البيت .الاباء،تجد صدرا رحبا يتمثل في الفقيه،حيث يحرص اشد الحرص على مراقبتنا.ولاينتهي الامر هنا.فكنا نساعد فقيهنا في جلب الماء ونظافة الكتاب وحمل القفة إلى منزله.كانت تربية صحيحة بكل المقاييس.وتكون سعادتنا اكبر لما نرافق احدا من الطلاب الى منزله إبان اتمامه لبعض الاحزاب من القرآن حاملين الالواح مفتخرين بهذا الطالب.ويزيد من حرارة ابتهاجنا.استقبال اسرة الطالب التي تتفنن في إكرام وفادتنا.نتهافت على أكل ما جادوا به علينا . اتذكر انه خلال مسيرتنا لمنزل الطالب المحتفى به كنا نردد ونقول:طالب طالب يايو فرحات مو وحبابو .كانت ترديدات وحماسات تحفيزية تجعل باب المنافسة على الحفظ مفتوحا.وفور الانتهاء من الحفلة نشد الرحال إلى الكتاب وأيدينا تحمل حصة الفقيه من كرم اسرة الطالب فيما اعين الفقيه على ما جلبناه من مأكل ومشرب وهدايا.
كان
الكتاب هو المدرسة الثانية بعد الأم والجيران.ولم يتوقف دوره في التلقين
والتحفيظ،بل كانت رسالة الفقيه تربوية بكل المقاييس ،لا تقدر بثمن.
*******
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.