لم أدرك كيف حدث ذلك، توقف الصداع المزمن الذي لازمني لسنوات، طوال النهار كانت السماء تنتحب، نزل المطر و أدمعت عيون جميع الكواكب، لم تجد أشعة الشمس منفذا و غاصت في سحب تحجبها، ليلا، بدت السماء صافية كوجه ملائكيّ، انقشع كل شيء و ضوء القمر بدا ساطعا و ودودا، اقتربت النجوم من الأرض حتى أن إمساك واحد منها بدا فكرة مقبولة، رائحة النباتات و الأشجار تنفذ من شقوق الأبواب القديمة و النوافذ المفتوحة.. في تلك اللحظات الصافية، أحسست بتشقق بسيط و ليّن في جمجتي، شيء يشبه وقع منقار فرخ طير داخل بيضة تحضنه، يشبه تشقق كأس باردة سُكِب فيها ماء دافئ، و انقطع الصداع فجأة..
صداع لازمني سنين طويلة، في بداية الأمر، كان الألم حادّا و لم أتقبل ذلك، حرمني من أبسط لحظات الراحة، لم تُجدِ التحاليل الكثيرة و لا الأدوية التي كنت أتعاطاها للحدّ منه، عجز الأطباء عن تحديد ذلك، تحت طلب أمي- التي أقول لها أحبك بالمناسبة- اقتنعت بما نصحها به العرافون، و حضرت جلسات الرقية الشرعية، حرب خضتها لسنوات مع ذلك الصداع خرجت منها منهزما، اقتنعت بالتعايش معه، يمكننا في حالات معينة أن نقبل بالآلام حتى تصبح جزءا منا، نبتسم و نحن في أقسى لحظات العذاب. اعتدت أن أسند صدغي الأيسر بإبهام يدي و أضغط، لم يكن ذلك يخفف من الألم لكنه كان ردّا و دفاعا غريزيا كي أتماسك. حين كنّا نلتقي، تحاول دائما تجنب الحديث عن ألمي، ولكن نظرة الإشفاق لم تغادر عينيها، كانت تشفق بدرجة مبالغة فيها، و كان ذلك يحرجني و في مرات كثيرة و هي قريبة مني و نور يشع من وجنتيها، اتأملها بلهفة و فرح، أتناسى صداعي المزمن، و اتوغل في تفاصيل وجهها، تحتضنني كطفل وهي تقول: " ليتني أحمل عنك هذا الصداع اللعين.."، تعيدني إلى ركن الألم الذي أعيشه و أنا في أجمل حالات الهروب منه، فأتقلص بين يديها منهزما، و أحاول جاهدا أن أبحث عن عبارات الامتنان. أوصيتها بألا تقول لي ذلك، لكنها و في كل لقاء، و دون وعي منها تعيد ذلك و دمع يطفح من عينيها فلا أتماسك، كأن الدمع يسقي لحظات الفرح البسيطة التي نسرقها من ذلك الواقع.
الان أشعر انّي قد تحررت منه، لا ألم يضغط على رأسي، انفراج جميل و دافئ يغمرني، ارتياح تامّ يغمرني، لم أصدق الأمر، تحسست صدغي الأيسر، جبت أرجاء البيت، رفعت صوتي بالغناء " يا مسهّر النوم في عينيّا"، تماديت أكثر و أسندت قامتي إلى الجدار و بقيت مقلوبا، رأسي على الوسادة و ساقايا باتجاه السماء، لا أعرف كم لبثت، لكني حين استويت كان الدم يكاد ينفجر من أنفي، لكن لا أثر لذلك الصداع.
فكرتُ أن أهاتفها في ذلك التوقيت من الليل ثم عدلت عن الأمر، فكرة مجنونة و غير محسوبة كهذه قد تحدث لها إرباكا في حياتها و أنا قد نذرت نفسي لحمايتها حتى أنّي أخاف عليها منها، فكرت في عذابات والدتي وهي تنتقل بين القرى و مدن ذلك الريف مستعينة بخبرات العجائز لعلها تجد لي دواء، فكرت بفرص الحياة التي ضاعت مني بسبب ذلك الصداع، بلحظات الفرح و الضحكات التي سرقها مني، و الآن حين تعودت ملازمته كظلي و أسلمت له أمري يغادرني بكل بساطة. الليلة سأنام جيّدا، سيكون نوما عميقا أنتظره منذ سنين لكن كل رجائي ألا يعاودني ذلك الصداع المؤلم صباحا...
صداع لازمني سنين طويلة، في بداية الأمر، كان الألم حادّا و لم أتقبل ذلك، حرمني من أبسط لحظات الراحة، لم تُجدِ التحاليل الكثيرة و لا الأدوية التي كنت أتعاطاها للحدّ منه، عجز الأطباء عن تحديد ذلك، تحت طلب أمي- التي أقول لها أحبك بالمناسبة- اقتنعت بما نصحها به العرافون، و حضرت جلسات الرقية الشرعية، حرب خضتها لسنوات مع ذلك الصداع خرجت منها منهزما، اقتنعت بالتعايش معه، يمكننا في حالات معينة أن نقبل بالآلام حتى تصبح جزءا منا، نبتسم و نحن في أقسى لحظات العذاب. اعتدت أن أسند صدغي الأيسر بإبهام يدي و أضغط، لم يكن ذلك يخفف من الألم لكنه كان ردّا و دفاعا غريزيا كي أتماسك. حين كنّا نلتقي، تحاول دائما تجنب الحديث عن ألمي، ولكن نظرة الإشفاق لم تغادر عينيها، كانت تشفق بدرجة مبالغة فيها، و كان ذلك يحرجني و في مرات كثيرة و هي قريبة مني و نور يشع من وجنتيها، اتأملها بلهفة و فرح، أتناسى صداعي المزمن، و اتوغل في تفاصيل وجهها، تحتضنني كطفل وهي تقول: " ليتني أحمل عنك هذا الصداع اللعين.."، تعيدني إلى ركن الألم الذي أعيشه و أنا في أجمل حالات الهروب منه، فأتقلص بين يديها منهزما، و أحاول جاهدا أن أبحث عن عبارات الامتنان. أوصيتها بألا تقول لي ذلك، لكنها و في كل لقاء، و دون وعي منها تعيد ذلك و دمع يطفح من عينيها فلا أتماسك، كأن الدمع يسقي لحظات الفرح البسيطة التي نسرقها من ذلك الواقع.
الان أشعر انّي قد تحررت منه، لا ألم يضغط على رأسي، انفراج جميل و دافئ يغمرني، ارتياح تامّ يغمرني، لم أصدق الأمر، تحسست صدغي الأيسر، جبت أرجاء البيت، رفعت صوتي بالغناء " يا مسهّر النوم في عينيّا"، تماديت أكثر و أسندت قامتي إلى الجدار و بقيت مقلوبا، رأسي على الوسادة و ساقايا باتجاه السماء، لا أعرف كم لبثت، لكني حين استويت كان الدم يكاد ينفجر من أنفي، لكن لا أثر لذلك الصداع.
فكرتُ أن أهاتفها في ذلك التوقيت من الليل ثم عدلت عن الأمر، فكرة مجنونة و غير محسوبة كهذه قد تحدث لها إرباكا في حياتها و أنا قد نذرت نفسي لحمايتها حتى أنّي أخاف عليها منها، فكرت في عذابات والدتي وهي تنتقل بين القرى و مدن ذلك الريف مستعينة بخبرات العجائز لعلها تجد لي دواء، فكرت بفرص الحياة التي ضاعت مني بسبب ذلك الصداع، بلحظات الفرح و الضحكات التي سرقها مني، و الآن حين تعودت ملازمته كظلي و أسلمت له أمري يغادرني بكل بساطة. الليلة سأنام جيّدا، سيكون نوما عميقا أنتظره منذ سنين لكن كل رجائي ألا يعاودني ذلك الصداع المؤلم صباحا...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.