lundi 26 octobre 2020

قراءة نقدية في المجموعة القصصية " جداريات قلوب مجروحة " للقاصة المغربية بشرى المعلوم // بوزيان موساوي // المغرب


تحت عنوان: كيف نقرأ نصوصا قصصية على شكل جداريات؟
ورقة تعريف موجزة:
"جداريات قلوب مجروحة" مجموعة قصصية للشاعرة و القاصة المغربية بشرى المعلوم؛ صدرت المجموعة عن "جامعة المبدعين المغاربة"؛ مطبعة وراقة بلال فاس/ المغرب سنة 2020. الكتاب من الحجم المتوسط، يتضمن 11 عنوانا و هو عدد قصص المجموعة.
كيف نقرأ هذه المجموعة القصصية؟
1 ـ حيثيات منهجية:
عادة ما يلجأ بعض الدارسين لآليات قراءة جاهزة كما جذاذات تشبه أدوات اشتغالها عدة ميكانيكي أو طبيب أسنان... صالحة لمعالجة أي نص قصصي؛ كأن نتعسف على كل النصوص القصصية بإرغامها على تزويدنا مكرهة بوظائف محددة و مقننة كما نظر لها فلاديمير بروب في كتابه "مورفولوجيا الحكاية"، أو غريماس في كتابه "علم الدلالة البنيوي"، أو ياكوبسون، و جوليا كريستيفا و غيرهم... و الكثير من الدارسين في وقتنا الراهن و منهم أساتذة جامعيون و أكاديميون يعتبرون جنس "القصة القصيرة" مجرد "ملخص"/ "خطاطة" أو "تصميم" لرواية، كما "السينوبسيس" للفيلم في اللغة السنيمائية، و منهم من يخلطون بين جنس "الحكاية"(كجنس أدبي شعبي ذي الأصول الشفوية العتيقة) و "القصة القصيرة" كجنس أدبي نبيل و حديث قائم بذاته و لا يقوى على كتابته إلا كبار المبدعين مثل موباسان و باربيي دورفيلي و كافكا و سارتر و هوفمان و إدغار بو و محمود تيمور و جبران خليل جبران و محمد شكري و محمد زفزاف و مصطفى تاج الدين الموسى...
من خلال نصوص هذه المجموعة القصصية "جداريات قلوب مجروحة" نطرح مع القاصة المبدعة الشابة المغربية بشرى المعلوم سؤال كتابة القصة القصيرة هنا/ الآن بمفاهيم و آليات جديدة و مدى تناغمها مع عن نوعية التيمات المطروحة للنقاش.
2 ـ قراءة المجموعة القصصية بوصفها "جداريات":
في هذا الاتجاه، تقترح علينا القاصة بشرى المعلوم قراءة متنها السردي القصصي على أنه مجموعة "جداريات". و كأنها تؤثث مجموعتها كما خشبة مسرح ب 11 جدارية تختزل كل واحدة منها
مشهدا دراميا يعرض أمام أنظار المتلقي/ القارئ تداعيات "قلوب مجروحة". و تأثير لغة المسرح و حواراتها على الكتابة القصصية لبشرى المعلوم يهمن على نصوص المجموعة؛ نقرأ هذا المقطع من حوار/ مونولوج في قصة "مخاض البوح":
"ـ أيوْمَ أعلن الحب،تعلن الكره لي؟
ـ أهانَ عليك العشق أم مللت و تتنكر لي؟
ـ اخبرني...
ـ أخبرني أي الرجال أنت؟
ـ تدعي الوفاء، و غدا بالنسيان تطالبني...
ـ كذبُ... تمثيلية ذاك الحب الذي أوهمتني..." (ص. 23).
و لا تكتفي القاصة بشرى المعلوم بمسرحة بعض نصوصها، بل تدعو القارئ تلميحا للتجول بين قصصها/ جدارياتها كما بين لوحات معرض للفن التشكيلي. إذ غالبا ما تشبه الكاتبة عملية الكتابة بطقس الرسم كما الحال في قصة "تردد الكلمات" حيث نقرأ:
"أخذ القلم و خط على السواد صمت، بياض، نقطة؛ ثلاث كلمات فقط صُلِبَتْ على سبورة الحائط..." (ص. 37).
و أحيانا أخرى تستأثر الشاعرة بداخل الكاتبة بشرى المعلوم فيخرج السرد من جلباب الاسترسال النثري لكي يتهادى في ثوب القصيدة النثرية؛ و يكاد التصريح بذلك مباشرا في نص "دردشة مع جريح"؛ نقرأ:
"جاء يشكو من عشق امرأة: ـ إنْ كنتِ كاتبة سجّلي ما أقول، و إنْ كنتٍ شاعرة، زخرفي الحروف، و لكِ مني جوهر الشعور" (ص. 27)... هذا ربما ما يبرر لجوء القاصة بشرى المعلوم إلى هندسة نص الدردشة مع الجريح على شكل أسطر تعادل الأبيات في الشعر الحر و القصيدة النثرية).
هي إذن لوحات/ جداريات ناطقة؛ و خلف الكواليس ذات ساردة بضمير متكلم "أنا" غالبا بصيغة المؤنث، و أحيانا يكون السارد ذكرا. تمّ اختيار "التبئير الداخلي" في سرد الأحداث حتى تتمكن الذات الساردة من ضمان مكانها ك "شخصية محورية" داخل كل قصة تصنع الحدث أو تكون ضحيته. "جداريات" بمثابة "لوحات"، لكنها أيضا تحيل على "الجدار" نفسه بمعناه اللفظي الأولي أي الحائط؛ شقوقه علامات تُحفِّز حالة شرود، و سفر بين محطات موشومة في الذاكرة إلى أعماق الوجدان؛ فتتحول شقوق الجدار إلى ذكريات، و الجداريات إلى مذكرات؛ نقرأ في قصة "مذكرات أنثى جريحة":
"استرقت النظر من شباك غرفتها، فرأيتها جالسة مصلوبة الجسم، و مسلوبة الروح على كرسي مكتبها المبعثر شاردة بشقوق الجدار (...) استلمت القلم بأصابع منكسرة القوى، و سلمت شعورها لبياض الورق لينطق ما بجوفها (...) أنين حروف موجوعة..." (ص. 19).
3 ـ قراءة المجموعة القصصية باعتبارها "مذكرات":
تمّ تشبيه أبطال قصص المجموعة/ الجداريات ـ كناية ـ كما يوحي عنوان الكتاب، ب "القلوب المجروحة"، و سبب الجرح كل مرة، و على طول ربوع المجموعة، خيانة: خيانة رجل لحبيبته، أو خيانة أنثى لعاشقها. و حتى لا تُختزل المجموعة في قصص فقد، و غياب (قصة "همس الغياب)، و نسيان، و تنكّر، و جحود، و تهرّب، و تملص، و عتاب، و بكاء، و حقد، و إحباط، و خذلان... و كأننا نعيد مشاهدة أفلام رومانسية كلاسيكية مأساوية؛ الزمن غير الزمن في هذه المجموعة القصصية؛ لقد تغيرت التمثلات و الرؤى. حتى لحظات الانتشاء بالتحضير لموعد غرامي فقدت رونق شغفها؛ نقرأ في قصة "موعد":
"لهفة لقاء. فوضى تجتاح الشوق، و غرفة مبعثرة؛ فساتين هنا و سراويل هناك (...) اللعبة لقاء، و الزمن شوق، و المرآة سيدة الخيار (...) و بعد كل هذه التفاصيل وجدت نفسي أكذوبة بكل التفاصيل (...) زال طيفه من عيني، و عشقه من قلبي، و غادرت المكان بعد أن بُحْتُ لفنجان القهوة بكرسيه الفارغ، انه لم يعد في قلبي لهفة للقائه..." (ص. 12).
تتحول الأنا الذات الساردة/ الشخصية/ الضحية بالإيحاء و الإيماء عبر انزياحات اللغة و الأسلوب إلى صوت/ موقف يطرح موضوعا للنقاش يروم إشراك القراء (كما المسرح البريختي؛ كما نظرية جمالية التلقي)، ليس في استهلاك القصة و الانفعال معها عاطفيا و وجدانيا فحسب، بل في عمليات تشخيص عناصر الحبكة/ المأساة/ الخيانة بوضعها في سياقها الجغرافي و التاريخي (أي تحديد أسباب النزول) قبل تحليلها لأجل بناء موقف منها. و من هنا يتدخل عنصر الزمن القصصي في مجريات أحداث قصص المجموعة.
4 ـ قراءة المجموعة القصصية كخطاطة/ دعوة للنقاش لأجل بناء موقف:
لا نقصد في كذا سياق الزمن الكرونولوجي التراتبي مثل الساعة و اليوم و الشهر و السنة و الليل و النهار... وضع النصوص القصصية في إطارها الزمني يعني بالدرجة الأولى تحديد العصر الزمني الذهني المرجعي الذي تنتمي إليه الشخصية الفاعلة أو المفعول بها: شخصيات قصص المجموعة، الذكور منهم على وجه التحديد، و إن كانت تنتمي زمنيا و عمريا للزمن الحاضر، أي القرن 21، فهي بتصرفاتها و أفكارها و معتقداتها تكرس بأفعالها سلوكيات رجعية متخلفة تنتمي لما قبل القرون الوسطى، تعيد إنتاج، كما في دائرة خبيثة، تقاليد بالية بطلها الرجل/ "الذكر الأبدي"("السي السيد") سيد سرايا الحريم (قصة " داخل كل رجل ذكر يحتاج الترويض" نموذجا)... عقلية تكرسها كذلك بعض وسائل الاعلام الحديثة الرقمية منها و المرئية و المكتوبة التي تستهدف تشييء المرأة/ الأنثى و تحولها كما في أسواق النخاسة في الأزمنة الغابرة إلى جسد لإرضاء الشهوات الغريزية الأكثر ابتذالا؛ نقرأ في قصة "همس الغياب":
"كان شوقه العارم في داخله يتفحص كل قطع أثاث المكان، و ينفض عنها بقلبه و بلمْسَة يده المرتعشة بشوق غامر ما تراكم عليها من غبار النسيان (...) حتى جاء دور السرير و فراشه الذي ظل على حاله صورة أنثى شاحبة"(ص. 8).
لكن زمن المجموعة القصصية سريعا ما يتجاوز جغرافيته و يتخطاها ليفك و ارتباطه بالعادات و المعتقدات العتيقة ليرقى إلى "زمن فلسفي" يؤطر الأحداث بعمق أكبر؛ نقرأ في قصة "لعبة التضاد":
"في حزن السماء فرحة للأرض؛ فتنطق القاعدة: بعد كل موت ولادة، و بعد كل فراق لقاء، و لابد أن تلي كل دمعة ابتسامة، و الحب يتأرجح ما بين البقاء و الفراق... هذه أرجوحة الحياة." (ص. 15).
ولم تستثن القاصة بشرى المعلوم "مواقع التواصل الاجتماعي" من لائحة الوسائل الاعلامية التي تساهم في نشر هذه الصورة الدنيئة للمرأة على نطاق واسع؛ إذ تتحول الكاتبة إلى قارئة متصفحة لجداريات من نوع آخر كما في قصة " جولة فيسبوكية".
مسيرة موفقة أتمناها لك أستاذة بشرى المعلوم شاعرة و قاصة و إنسانة.
مع تحيات نافذة النقد و الأستاذ بوزيان موساوي
و لنا عودة مع قراءات أخرى




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.