vendredi 16 octobre 2020

دراسة تحليلية ونقدية لقصيدة " المدينة التي سكنتنا " للشاعر عبد السادة البصري // سماح لغريب // الجزائر

 

دراسة تحليلية ونقدية لقصيدة " المدينة التي سكنتنا " للشاعر عبد السادة البصري
بقلم : الأستاذة سماح لغريب
(( المدينة التي سكنتنا،، ))
كانت،،،،،
تستقبلُ الصباحَ بابتسامةٍ
وبمثلها تودّعُ المساء
لم تسكنْها الدموعُ ،
والحزنُ لم يمرْ على بابها
الشطُّ سميرُها
ونديمُها النورسُ والرازقي
بين أناملها ينامُ الفرحُ ،
على خدِّها وشمُ المحبّةِ
وفي قلبها ثمّة أمل!!!
،،، ،،،، ،،،،
كانت
من أقصى جنوبها المضمّخ بالحنّاءِ
وحتى ابواب شمالها
تطشُّ الهيلَ والزعفران
وتُشعلُ البخورَ كلّ خميس
في جُمعتِها تُسمعُ الأدعيةُ والدرابك
والسبت حفلٌ آخر!!!
بعربتهِ وطبلتِه يعزفُ ( مرزوق)
لحنَ التقارب / المودّة / التآلف
وبما يجودُ به البحرُ ، يأتي البحارةُ
مَنْ زارَها....ظلَّ يبكي العمرَ عليها ،
وسكنَتْهُ الحكايات!!!
لأنّها ،،،
تفرشُ الروحَ ريحاناً للقادمين
وتنثرُها فرحاً وطيبة ،،
ومايتبقّى تُودِعُهُ( صوغةً ) عند رحيلهم ،،
كتذكار أمان......!!
،،،، ،،،،،،،
ذات مساء ....صافحتْها الآلامُ ،
وسالَ الدمُ والدمعُ انهارا ...ً
رحلت النوارسُ ،
ونامتْ على صدرِها حشرجاتُ الأسى
كانت....وكانت....وكانت..
،،،،، ،،،،،،
والآنَ أصبحت.... وأضحت .......وصارت
لكنّها....
على خارطةِ الحُبِّ ..ظلّت،،
أجملَ مايرسمون...
تلك هي مدينتي !!!!!!!!

- الشاعر في كل مكان وزمان يعبرعن همومه ومشاكل مجتمعه وبيئته متخذا عدة أساليب لتوصيل فكرته والتعبير عن قضاياه كالحروب والفساد وتصوير ما يجول بخاطره فاعتبر بذلك الشعر وسيلة يلجأ إليها الشاعر لنقل حالته النفسية ومشاهد العصر الذي يعيش فيه .
وأنا أقرأ بعض القصائد لشعرائنا الرومانسيين لفتت انتباهي هذه القصيدة الرائعة للشاعر عبد السادة البصري الذي يصور فيها البصرة كيف كانت ...وكم يحلو الغوص في هذه القصيدة الرائعة من إبداعاته فما ارتأيت إلا أن أضع بصمتي البسيطة عليها وأنا أتذوق رحيقها...
عبد السادة البصري شاعرومبدع وكاتب وإعلامي من مواليد الفاو بالبصرة سنة 1961م متحصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة /المسرح ...، يكتب في أبواب الشعر والنقد ، الرواية ، المسرح ، الصحافة والإعلام له مؤلفات كثيرة في الشعر منها الكتب التالية :
لا شيء لنا ...، تضاريس ...، أصفى من البياض ...، هكذا دائما ...لو أستعر وجها .
إضافة إلى دواوين شعرية وكتب نقدية في الشعر العراقي المعاصر ، القصة والرواية والمسرحية ، عضو المجلس المركزي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، عضو في اتحاد الأدباء والكتاب العرب ، عضو نقابة الصحافيين العراقيين ، عضو اتحاد الاذاعيين والتلفزيونيين في العراق، عضو نقابة الفنانين في العراق .
-بدأ كتابة الشعر في منتصف السبعينات من القرن الماضي ونشر أول قصائده عام 1979في دولة الكويت ...أصدر عدة مجموعات شعرية كثيرة ...يعمل في حقل الإعلام
الدراسة التحليلية :
يبدو لي أن الشاعر قد أسعفه الله تعالى بفن الشعر ووفقه إلى الإمساك بزمام الكلمة الفنية المعبرة ، ونفث في روحه فضائل وعزيمة ...، فعزف نغمات مضمخة بعبق التاريخ ...تاريخ المدينة ...تاريخ المكان تاريخا ومكانا سيظلان محفوران في الذاكرة لاسيما أنه ترسخ في القلب والوجدان ، ومس الشغاف ومازج خلجات النفس .
كل قارئ يقرأها سيلمس ظمأ المدينة القديمة الجميلة ، وحسرة على ما استجلاه الواقع وأفناه التاريخ ، إني أقدس هذا السفر بين الماضي والحاضر وهذه الشفافية والرنة وتناغم الحروف والموسيقى الشعرية وعذوبتها وكأنني أستوي على حبات عقد منظومة تنثر حولها النور والظلال ...كلمات منحوتات من قلب ظامئ إلى تغيير الأحوال إلى عودة المدينة الجميلة التي تسكن قلوبهم ..التقطها بعدسة فنية عالية وصفاء ذهني شفاف .، فكل قارئ وهو يتصدى لكل فكرة وكلمة وعبارة فيها سيجد الكثير من المتعة الفنية والإبداعية التي ستجذبه وتشده شدا عميقا ، طويلا ...فتأسره المفردات الدلالية والجمالية خاصة أنها تعكس آثار مدينة مرت بتقلب مضن .
العنوان: " المدينة التي سكنتنا " ...دلالة للحب الملتهب
الذكريات الجميلة والجراح
أبهرنا الشاعر بهذه الصورة المجازية الفنية الكثيفة ، شعرت أنني أمام عمل فني رائع من الوهلة الأولى ، قلم صادق شفاف متواضع أنتجته قريحة تمارس على القارئ سلطتها ، قرب القصيدة للقارئ بعدسة كبيرة ودقيقة تترب إلى الذات وتتقمصها فيستشعر القارئ بلهيب عشق مكنون ، عشق المدينة يحكي عن حضارة بأكملها عراقة المدينة وسكانها ، إن هذه الصورة لتمتلئ بالحياة والأمل القابع في المعاناة والحب المضيء، فيبدو من خلال العنوان " المدينة التي تسكننا " بصيغة الجمع باستعمال الضمير نحن " نا" مايدل على أن المدينة تسكن أهلها جميعا واستمرارية ارتباط العاشق بالمعشوق ثم إن في العنوان مشاعر متأججة في الأعماق تغلي بحب سرمدي ...
-يستهل الشاعر قصيدته باستحضار ماضي المدينة كيف كانت...كالوردة المتفتحة بحرارة وجدانية مفرطة وحس مرهف يصور لنا المدينة ويقول في مطلعها:
كانت ،،،وهو حدث ماض انقضى يعني توقيت مطلق ...، وكأنه يستدعي مشاهد وأطياف من زهرة قبل ذبولها ...البصرة عروسة الشرق الأوسط ...
تستقبل الصباح بابتسامة
وبمثلها تودع النهار
والحزن لم يمر ببابها
الشط سميرها
ونديمها النورس والرازقي
بين أناملها ينام الفرح ،
على خدها وشح المحبة
وفي قلبها ثمة أمل !!!!!!
لوحة فنية آسرة ريحانة تبتسم صباحا ومساء، لم يعرف الحزن طريقا إليها ، غازلنا هذا المنظر وبعث فينا الجمال ، فالشاعر ابن بيئته تعيش فيه ، في ذهنه وقلبه وعواطفه فتستثير ملكته الشعرية وتكشف صدق عاطفته ...،الطبيعة الخلابة ببساطتها وجمالها فتجلى الخيال في عباراته فيها نرى كيف أبدع الشاعر في تصوير مشاهد من مدينته كيف كانت موقعا جماليا وزمانا تصحبه الحياة والحركة ...صور لنا مرحلة كانت تعيش فيها المدينة أزهى أيامها تمطر و تزهر وتثمر دون أن تعيقها عوائق أو عقبات أو تعصف عليها زوابع ...يصف الشط بمحدثها في الليالي تعيش فيها النوارس والرازقي ... بين أناملها ينام الفرح صورتان مجازيتان بليغتان بحيث شبهها بإنسان لديها أنامل ثم صور الفرح وهو ينام على أناملها وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الطمأنية والسلام الذي كان يعزفها فهي تنام على كف وردة فيها يسرح الفرح ويغفو ويسترخي .
على خدها وشم المحبة
وفي قلبها ثمة أمل ...
ياله من تشبيه يستوقف القلوب ويستثير العقول للتأمل وهو يرسم المدينة امرأة بوجنتين من المحبة تنتهي اللوحة الشعرية الأولى بالأمل لتبدأ اللوحة الثانية بالفرح والسعادة التي كانت تغمرمدينة البصرة وسكانها كيف يعيشون أيامهم الجميلة كماتحدث عن تقاليد أهل المدينة وعاداتهم وطيبة وجود أهلها وعطاء أرضها يقول:
كانت
من أقصى جنوبها المضمّخ بالحنّاءِ
وحتى أبواب شمالها
تطشُّ الهيلَ والزعفران
وتُشعلُ البخورَ كلّ خميس
في جُمعتِها تُسمعُ الأدعيةُ والدرابك
والسبت حفلٌ آخر!!!
بعربتهِ وطبلتِه يعزفُ ( مرزوق)
لحنَ التقارب / المودّة / التآلف
وبما يجودُ به البحرُ ، يأتي البحارةُ
مَنْ زارَها....ظلَّ يبكي العمرَ عليها ،
وسكنَتْهُ الحكايات!!!
لأنّها ،،،
تفرشُ الروحَ ريحاناً للقادمين
وتنثرُها فرحاً وطيبة ،،
ومايتبقّى تُودِعُهُ( صوغةً ) عند رحيلهم ،،
كتذكار أمان......!!
في هذا النص ينساب حس الشاعر كالنسيم ليحرك أجزاء البيئة البصرية وبرسم أجمل اللوحات من ذكريات البصرة يحاول الشاعر استرجاع كل الماضي الجميل بتفاصيله لهذه المدينة مستعينا بفطرته وصدق تعبيره عن الحياة التي كان يعيشها أهل البصرة فتجده يستحضررائحة الطيب ، الحناء ، الطبول ...وكذا الموروث الثقافي والديني الذي تعرف به البصرة يقول : في جمعتها تسمع الأدعية والدرابيك ،،،،وفي سبتها حفل آخر...
استخدم الشاعر لغة سهلة طيعة ، رصينة ، عذبة قريبة من المتلقي فهو ابن بيئته يتكلم باللغة التي يتكلم بها أبناء قومه حتى كانت اللغة الشعرية تقترب وتندمج بلغة التواصل اليومي واستعمال بعض الألفاظ العامية أو التراكيب النثرية والعبارات اليومية فهو ينتقي الألفاظ السهلة والتراكيب المألوفة التي لايشوبها التعقيد والغموض لتصل إلى المتلقي بسهولة ويسر والتي ساهمت في رسم المدينة بعيدا عن التكلف و إظهار الأثر النفسي والحب الذي يكنه الشاعر للمدينة وهو يترجم الواقع الذي كانت تعيشه ببساطة اللفظة والعبارة واستطاع بمهارة فنية أن يجعلها مرئية لدى المتلقي بعاطفة ومشاعر صادقة صب في قصيدته روحا منسجمة مع عواطف الحب والسلام مفصحة عن مقدرة فنية كبيرة تحلى بها الشاعر في هذا المكان وهذا المجتمع الروحي العريق المعروف بالخير والعطاء والحب والسلام...
نجد في القصيدة كما هائلا من الألفاظ المستمدة من الطبيعة وقد وظفها توظيفا جميلا ، المتحركة والجامدة كالشط والبحر... هذه البيئة المائية التي تحرك فيه مشاعر فياضة بالجمال فهو ذو شاعرية هادئة لذا نجد تأثير البيئة واضحا في شعره هذا الفضاء الذي شكل هويته الشعرية وأمده بالإلهام والدفء فنجده أيضا يؤنس الطبيعة ويشخصها في اللوحة التعريفية للمدينة فنجده يقول بين أناملها ينام الفرح ...والنوم والفرح والاسترخاء من الصفات التي يختص بها الإنسان
ويستمر الشاعر بإضافة هذه الصفات إلى الطبيعة فقد أخرج الألفاظ من دلالاتها المعجمية إلى دلالات سياقية أوسع تتمثل بكثرة التجسيد والتشخيص في الاستعارات التي كونت مجمل القصيدة ورسمت صورة شعرية قوية
ذات مساء ....صافحتْها الآلامُ ،
وسالَ الدمُ والدمعُ انهارا ...ً
رحلت النوارسُ ،
ونامتْ على صدرِها حشرجاتُ الأسى
كانت....وكانت....وكانت..
،،،،، ،،،،،،
والآنَ أصبحت.... وأضحت .......وصارت
لكنّها....
على خارطةِ الحُبِّ ..ظلّت،،
أجملَ مايرسمون...
تلك هي مدينتي !!!!!!!!
كانت تلك المدينة ...وكأنك أيها القارئ تلمس حسرة وتنهيدة عميقة من الشاعر وهو يتحسر على ما سيصيب المدينة الجميلة التي كانت كالعقيق، كالزهرة في بستان لم تغزه أيدي القطف والقذارة ...إلا أن الفعل "كان " في البداية لا يبشر بما سيحدث لها في المستقبل .هذه المدينة الجميلة صافحها الألم ودق الحزن بابها فرحلت النوارس واحتل الأسى مكان الفرح والاطمئنان والبهجة أصبحت بوجه متجهم يغزوه الألم والدموع والدم ، فيلبس فجأة الشاعر نهاية القصيدة الحلة المأساوية التي حلت بالمدينة فأصبحت تعيش واقعا قلقا متوترا يسودها الاضطراب بعد أن كان ينام على أناملها الفرح ...وبالرغم من انقلابها والمأساة التي حلت بها إلا أنها تبقى أجل لوحة ترسم للحب
كما نجد في هذه القصيدة الشاعر قد وظف حقلين معجميين واضحين حقل معجمي يدل على الفرح في " الفرح ، الابتسامة ، المحبة ، التآلف ، التقارب ...وحقل معجمي يدل على الحزن في نهاية القصيدة " الأسى الدم ، الدمع ...مايدل على ماض وحاضر البصرة المأساوي والكدر والضيق والمرحلة القلقة التي مر بها العراق من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...
تنشط ملكة الخيال للمتلقي من خلال قراءته لهذه القصيدة وتذوق جمالها الفني في إسباغ الحياة الإنسانية على مالا حياة له كالأشياء الجامدة والكائنات المادية غير الحية ، فقد لجأ الشاعر عبد السادة البصري إلى تقنية التشخيص في تشكيل صوره على نحو خاص ، لكي تتناسب مع وجدانه فهو يشخص صوره ويؤنسها ليعبر عن شعوره وانفعالاته باستخدامه المفرط للاستعارات المكنية والتشبيهات ومن أمثلة ذلك والأمثلة كثيرة صافحتها الآلام....سال الدم والدمع...نامت على صدرها حشرجات الأسى ...
وهذه بعض خصائصه الشعرية والمتمثلة في دقة الملاحظة وقوة الخيال فقد اعتمد الشاعر على دقة الملاحظة وقوة الخيال في وصف الطبيعة والحياة الخاصة بها وقد امتلأ شعره بالعديد من الصور الفنية التي ترسم الطبيعة وتصوّرها، والتي تشدّ انتباه المستمع وتثير اهتمامه
وصف المظاهر الطبيعية وغير الطبيعية؛ فقد وصف مظاهر الطبيعة الخلّابة المحيطة به من حقول وأنهار، و شط وبحر ...فهو يركن إلى الطبيعة يلج أحضانها ويستشعر جمالها وحنانها وروعة جمالها فهي فلسفته وملهمته المجسدة في كائن حي يتمتع بالسمات الإنسانية...و
الصدق في التعبير عن العواطف والمشاعر العميقة التي تختلج في أعماق النفس و
الاعتماد على اللغة السهلة والابتعاد عن اللغة الكلاسيكية الجزلة والمتصنعة .
تتوفر العاطفة الجياشة التي أمدته بكل متطلبات صياغة الصورة وسبك عباراتها
وامتلاك قدرة نفسية أتاحت له صنع صور شعرية باذخة الجمال و القدرة على تنويع الموسيقى والإيقاع النابض بالجمال والرقة والعذوبة.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.