mercredi 11 novembre 2020

خياط الحي 1-2-3 // محمد بوعمران // المغرب


كان سعيدا ، مطمئن البال، ينظر الى الحياة بعين الرضى والقبول بالقدر، ويعتبر أن الاحوال تتغير،وأن المستقبل في علم الغيب ...
لكن زواجه كان بداية لمشاكل بعثرت كل أفكاره، وجعلته يعيد النظر في رؤيته للحياة والناس...
كان أحمد يمتهن الخياطة في دكان بسيط ،ويعيش وحيدا في غرفة اكتراها في بيت مع الجيران ،الدكان والغرفة هما النقطتان اللتان تحددان مجال تحكره اليومي ،ولا يخرج عن هذا الإطار إلا في فترات قليلة ومتباعدة في الزمن ،بحيث لا يعرف عن المدينة التي يسكنها مند عقود إلا القليل ...
أحمد شخص كتوم ،قليل الكلام، لغزا حير كل من عرفوه من سكان الحي الذين كانوا يأتون بملابسهم لينقص من طولها أو عرضها مقابل أجور حسب رغبة الزبون ،فهو لا يناقش الأثمان ويأخذ الأجر ويضعه جانبا دون أن ترمقه عيناه ...
كل محاولات الفضوليين لمعرفة تفاصيل عن حياة الرجل باءت بالفشل ،ويئسوا من طرح الأسئلة ليستدرجوه كي يبوح بأسراره ،فظل لغزا محيرا ...
أشرف عمر أحمد على إتمام العقد الخامس دون أن يتغير ...
سأله احدهم يوما
-ألا تفكر في الزواج يا أحمد....العمر يمر ...
أجابه أحمد دون أن يرفع رأسه على آلة الخياطة
-الزواج ...تزوجت ثلاث مرات ...لكن فشلت...وسرحتهن ...ولم أستمر في كل مرة أكثر من شهر أو شهرين على الاكثر.../يتبع/

***********خياط الحي/2/************
تكلم الخياط أخيرا، وكأنه كان ينتظر السؤال عن سر تأخره عن الزواج ، كل الذين حاولوا الكشف عن تاريخه كانوا يسألونه عن أصله وفصله وعائلته وأمور أخرى تتعلق بماضيه ...لكن هذا الزبون الذي نصحه بالزواج لمس فيه حسن النية وصدق التعاطف مما جعله يكشف له عن جانب من سيرته ...
ولأن الزبون كان رجلا محترما في الحي ،ومعروفا بمروءته وأهلا للثقة فإن أحمد اطمأن إليه
قال أحمد للزبون الوقور
-ما يحيرني أني كنت لطيفا معهن لحد كبير، لكن كنت أُفاجأ بتغير في معاملاتهن لي ،وبعد مرور شهر أو شهرين بالأكثر يطلبن الطلاق فكنت أسرحهن دون أعرف منهن السبب،بعد أن أكون قد انفقت كل ما لدي من مدخرات ، فيرحلن عني ويتركنني فارغ الوفاض...
كان أحمد يحكي بصوت خافت ، وهو منهمك في تحريك آلة الخياطة مما يجعل الزبون يقترب ويدني أذنيه منه حتى يتمكن من متابعة الحديث...
حيرة أحمد لم تكن أقل من حيرة الزبون في أمر فشل هذه الزيجات ،لكن الزبون بحكم خبرته وتجاربه في الحياة تأكد أن الفشل له علاقة بأحمد ،لذلك سأله
-هل كنت مرحا معهن ...أقصد كيف كنت تتعامل معهن ...
هذا السؤال جعل أحمد يتوقف عن تحريك آلة الخياطة وينظر إلى الزبون نظرات لم يعهدها فيه ...نظرات حادة جعلت الزبون يعتذر
-ما الأمر يا أحمد هل اقلقتك ...هل انصرف ...
وقف أحمد من جلسته ...واتجه نحو الباب بسرعة وأغلقه الشيء الذي جعل الزبون يتراجع الى الخلف ...مندهشا من تصرف أحمد...
-لماذا أغلقت الباب يا احمد
-فقط لنأخذ راحتنا في الحديث ...لا أريد ان يسمعنا أحد ...
ثم استرسل وهو يجيب الزبون بصوت قريب من الهمس..
-كنت خجولا منهن ، يتكلمن أكثر مني ،يسألنني فلا أعرف بماذا أجيب ، ولا أستطيع الاقتراب منهن...أفهمت ...أفهمت الان....
ابتسم الزبون وقال
-آه ...فهمت الآن يا أحمد ...فهمت ...
-ها أنت فهمت ...فماذا سأفعل ...وكيف سأتصرف ...
نهض الزبون ،وبعد أن نفض جلبابه من خيوط علقت به قال لأحمد
-مشكلك لايدعو لكل هذه المعاناة ...كان عليك أن لا تكتم هذا الأمر كل هذه المدة ...الكثير من الرجال عانوا منه لكنهم تجاوزوه ...هل ترغب في الزواج مرة اخرى؟
أحنى أحمد راسه وقال
-نعم ...نعم ...لكن...
-اترك لي الامر ...ونتمنى من الله التوفيق .../يتبع/


*************خياط الحي/3/*************
كان للحوار الذي دار بينه وبين زبونه حول فشل زيجاته أثر كبير في نفسه،فبعد أن أغلق الدكان عاد إلى غرفته في وقت متأخر من الليل ، استلقى فوق فراشه موجها نظره إلى سقف الغرفة ، مسترجعا صور النساء اللواتي غادرنه ،وهو يفكر في الأسئلة التي طرحها عليه الزبون، أسئلة جعلته يقتنع بأن المشكل ليس فيهن بل المشكل فيه هو .
تقلب في فراشه يمينا ويسارا ، لكن النوم أبى أن يريحه من عناء التفكير في الزواج مرة
أخرى،كلما نطت فكرة الزواج إلى ذهنه غير وضعية استلقائه وظل على هذه الحال حتى تسرب نور الصباح إلى الغرفة من شقق باب الغرفة، وحين بدأت حركة الجيران تدب في فناء المنزل ،نهض وغادر البيت متجها نحو الدكان يحمله الشوق لمعرفة ما سيحمله له زبونه من جديد.
وما كاد يضع المفتاح في قفل الدكان حتى سمع صوت الزبون يلقي عليه تحية الصباح
-صباح الخير السي احمد ...خياطنا المحترم...
التفت نحو الزبون مبتسما
-صباح الخير السي علي...
-كيف قضيت ليلتك ...يظهر انك لم تنم مافيه الكفاية
نظر أحمد إلى زبونه الذي أصبح يشاركه أسراره وقال:
-أنا لم أنم أبدا ...قضيت الليل متقلبا على الفراش...
ابتسم الزبون وقال لأحمد
-من يفكر في الزواج يغادره النوم السي احمد ...أليس كذلك
أحس احمد بحرارة تغزو جسده وظهرت بعض قطرات عرق على جبينه واحمرت وجنتاه من الخجل ودون أن ينظر في وجه زبونه ،تشجع وقال:
-أصارحك اخي علي ...أنا أرغب في الزواج ...أحس ان شيئا ما تغير في داخلي...
ضحك الزبون وقال لأحمد
-لدي زوجة لك تناسبك ...
ومن دون أن يشعر وبجرأة أدهشت الزبون قال أحمد:
-أين هي ...أين ...؟
لم يتمالك الزبون نفسه فانتابته موجة من الضحك جعلت احمد ينتفض
-أتسخر مني يارجل ...قلت لك سري ...وأنت
قاطعه الزبون بعد أن توقف عن الضحك وأظهر الحزم والجدية
-لا تقل ذلك يا أحمد ...انا صديقك وأريد فعلا مساعدتك لأنك انسان طيب ...
انظر غدا إن شاء الله اعد نفسك للسفر لنخطب لك زوجة على مقاسك ...
أصيب أحمد بالدهشة
-السفر ...إلى أين ...؟انا لم اغادر الحي منذ سنوات ...
هدأ الزبون من روع أحمد قائلا
-المكان ليس بعيدا ...إنه في ضواحي المدينة ...سندهب ونعود في نفس اليوم ...فاستعد/يتبع/






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.