lundi 23 novembre 2020

دراجة من الماضي // محمد بوعمران // المغرب


لن ينسى ذلك اليوم الذي شهد حدثا ظل راسخا في ذاكرته رغم مرور سنوات على وقوعه،ذلك اليوم الذي اقتنى فيه دراجة هوائية جديدة ...
ليس من اليسير اقتناء دراجة هوائية في ذلك الزمان ،حدث يُحتفى به كما يُحتفى بالأحداث المهمة في حياة الفرد ،يباركه الجيران والأصدقاء والأهل كما يباركون الزواج ...
كان يشعر بالفخر والاعتزاز وهو يسوق دراجته مخترقا شوارع وازقة المدينة العتيقة ،يركب دراجته وهو يرتدي جلبابا وينتعل بلغة صفراء ويضع على راسه طاقية مزكشة بطريقة تظهرها مائلة تعبيرا عن نشوته بقيادة دراجته الجديدة ...
نبهه بعض أصدقائه إلى صعوبة قيادة الدراجة الهوائية وهو يرتدي جلبابا وينتعل بلغة لكنه أصر على تشبته بلباسه التقليدي متحديا هذه الصعوبات فهو لا يغادر الجلباب حتى في الأيام الحارة التي تعرفها مدينته في فصل الصيف ...
أصبح صاحبنا لايفارق دراجته ،فقلما تجده راجلا ،الدراجة وسيلته في التنقل للتبضع من أسواق المدينة كما كانت وسيلته لقضاء مآربه بل كان يستعملها للقيام برحلات للتنزه في ضواحي المدينة ...
مع تعاقب الأيام والفصول والسنوات ،ومع كثرة الاستعمال المبالغ فيه،أخذت الدراجة تصاب بين الفينة والأخرى بأعطاب في أحد أجزائها تفرض عليه القيام بتغييرها بأخرى جديدة ،
الشيء الذي أرهق جيبه وجعله يشعر بالملل من زيارة التقني خصوصا وأن المدة بين زيارة وأخرى تتقلص مع الوقت وتجعل مصاريف الإصلاحات المتكررة تؤثر على دخله ...
صارت الدراجة مصدر هم كبير عند صاحبنا ،فصار يشكو همه للاصدقاء وهو متدمر ...
اقترح عليه أحدهم بيع الدراجة واقتناء دراجة جديدة ،اقتراح لم يعجبه هو الذي قضى شبابه فوق هذه الدراجة ،لقد أصبحت جزءا من شخصيته ،وأشعرته بالتميز والتفوق وملأت أيامه بالسعادة وقربت إليه المسافات ،وأغنته عن انتظار الحافلات وحمته من زحمتها ،لكن هذه الدراجة اليوم أصبحت عبئا ثقيلا على جيبه لذلك قرر مكرها بيعها ...
دخل صاحبنا سوق الدراجات المستعملة ،كانت الدراجات تحتل مساحة مهمة من السوق ،كان ينظر إلى هذه الدراجات ويقارنها بدراجته ويتردد في تقديم دراجته للدلال ..
فجأة سحب منه الدلال الدراجة لما لاحظ تردده ،ودخل بها وسط حلقة الراغبين في اقتناء الدراجات المستعملة ليتزايدوا عليها ...
أخذ الدلال يطوف بالدراجة أمام اعين المتزايدين وهو يصيح
-مائة درهم ...مائة درهم ...مائة درهم ...
ظل الثمن مستقرا ،ولم تلق دراجة صاحبنا أي اهتمام ،ولم يأبه أحد بوجودها...
توترت أعصاب صاحبنا وأحس بالغبن ودراجته تهان وسط الجموع فاخترق المتحلقين واتجه نحو الدلال ليسحب منه الدراجة بعنف ،غضب الدلال من تصرف صاحبنا فقال :
-دراجتك متهالكة وقديمة وتطلب من الناس المزايدة عليها ...
ما كاد الدلال ينهي كلامه حتى وجه إليه صاحبنا لكمة رد عليها الدلال باخرى ،تشابكت الأيدي وتدخل الناس لفك النزاع ...
خرج صاحبنا من السوق وطرف من جلبابه ممزق ،وعليها قطرات دم لم يعرف مصدرها ...
امتطى صاحبنا دراجته وهو يردد في نفسه
-مائة درهم ...ثمن العجلات أم الإصلاح ...بيع بخسارة ...





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.