dimanche 15 mars 2020

قراءة في ديوان " يعانقني الحنين " // خالد بوزيان // المغرب


قراءتي النقدية في ديوان "يعانقني الحنين" للشاعرة المغربية لطيفة تقني
تحت عنوان: " سَفَر اللغة بين إيحاءات بلاغة الحنين، و سلطة بلاغة الضاد؟"
ذ. بوزيان موساوي. وجدة. المغرب
:ـ بطاقة تعريف
صدر ديوان "يعانقني الحنين" لمؤلفته الشاعرة لطيفة تقني عن مطبعة "نجمة الشرق" / بركان/ المغرب سنة 2018، تصميم الغلاف: الفنان هيثم بنقدور
الكتاب من الحجم المتوسط، 78 صفحة. يضم إضافة للأوراق الخارجية: 31 قصيدة
توحي الهندسة "المعمارية" لنصوص الديوان من أول تصفح انطباعي، أن الشاعرة لطيفة تقني اختارت "المغامرة" مع القصيدة العمودية
: ـ1 البنى النصية
هي قصائد تقليدية؟ أم نصوص شعرية بمضامين حديثة/ حداثية؟ أم قِصصا في قالب شعري؟ أم مجرد أفكار صيغَتْ بأسلوب أدبي شاعري؟... الجواب يعود للإطار المرجعي للقارئ، و لثقافته الأدبية، و مدى اضطلاعه على المعايير الأكاديمية المُصنّفة للأجناس الأدبية و نوعية نصوصها، و آليات اشتغال النظريات النقدية التطبيقية على النصوص الأدبية، قديمها، و حديثها، و راهنها... و مدى تقبل الذائقة في عصرنا الراهن للشعر العمودي
لكن قبل هذا و ذاك، يمكن ربما تفسير هذا الميل للقصيدة العمودية (شكلا على الأقل) بتأثر الشاعرة لطيفة تقني بأبيها؛ نقرأ في "الورقة الخارجية" للكتاب تحت عنوان "صاحبة الديوان"، (ص. :3
"تنتمي الشاعرة لأسرة علم و أدب؛ فقد ورثت عشق اللغة العربية عن والدها الأستاذ محمد تقني، إذ كان مدرسا للغة الضاد، ثم مديرا لمدرسة تعليمية و هو من حفظة القرآن الكريم
و لأن الشاعرة لطيفة تقني قد تابعت دراساتها الجامعية تخصص أدب عربي، و هي أستاذة للغة العربية، فلقد برعت من خلال نصوص هذا الديوان، كشاعرة، في تطويع
و تحديث "البحر البسيط" من خلال توظيفات عدة لضروبه كما الحال مع قصيدة "يعانقني الحنين" (ص. 5 )، حيث لا يمكن للقارئ العادي تحديد نوعية البحر الشعري المعتمد دون معرفة مسبقة بالقواعد كما ضرب "مخلع البسيط" الذي وظفته الشاعرة في هذه القصيدة بتلوينات جميلة بين "سليم" و "مخبون"
و لأن أغلب قصائد الديوان من "البحر البسيط" (و يقال عن هذا البحر للتذكير:"إنّ البسيط لدَيْهِ يُبْسَطُ الأمل")، قد يحتار القارئ أحيانا بين "بسيط" و "مديد" كما في قصيدة "يا حبيبا لست أهجره" (ص.29) لشدة الشبه إيقاعيا بينهما... و في بعض النصوص الأخرى يبدو البحر "البسيط" جليا بكل مقوماته العروضية السليمة، و كأن الشاعرة كتبت تحاكي إيقاعات قصيدة لأحد فطاحلة الشعراء ممن تأثرت بهم، كما الشأن مع قصيدة بعنوان "بئس العوادي الثلاثي" (ص. 67) التي تشبه إيقاعاتها إلى حد بعيد قصيدة المتنبي "الخيل و الليل و البيداء تعرفني.."
لكن في تأرجح بين "بسيط" و "مديد" بضروبهما، قامت الشاعرة في أكثر من قصيدة بتغيير إيقاع موسيقى الديوان اعتمادا على بحور شعرية أخرى مثل البحر "الطويل" كما في قصيدة "جمال الروح" (ص. 24)، لكن بضروب جعلتنا نتريث كثيرا قبل تحديد اسم البحر... الشيء الذي يدل لا فقط على تمكن الشاعرة من مادتها العروضية، بل على سعيها لتجديدها و تكييفها مع المضامين الحديثة و العصرية لنصوصها
و رافق هذا التنويع المنسجم و المتعدد لإيقاعات النصوص، تنويع آخر في الحقول المعجمية و الدلالية و التيماتية حدّ المفارقة و الاستفزاز الشعريين الجميلين، كما التالي
: ـ 2دلالات لغوية و تيماتية
يبدو من خلال عنوان هذا الكتاب ( "العتبة" )، أن مفردة "حنين" قد تُشَكّل مفتاح مقاربة تيماتية ممكنة للديوان. ففضلا عن العنوان الرئيس، تتكرر مفردة "حنين" في العديد من عناوين نصوص الديوان، إمّا لفظيا (نص "يعانقني الحنين"، ص. 5)، و نص "شوق و حنين"، ص. 10...)، و إمّا بالاستعانة بمرادفات ("الشجا" في نص "هل تركت الشجا" ص. 17
و "مناجاة" في نص " مناجاة"، ص. 27، و "المنى"، في نص "يا ليتني أحيا بمنى أبدا  "، ص. 43
و "الشوق"، في نص "سما شوقي إليك"، ص.55)... و إما بتوظيف مقاطع أو جمل تحيل على ما يقارب إحدى معاني "الحنين" كما في صياغة بعض العناوين مثل: " يا حبيبا لست أهجره"، ص. 29، "ليت الليالي كلها قمر !"، ص. 34، و "يا بعيدا في المهاجر"، ص. 40، و "قبح نفس"، ص. 47
هذه المتغيرات (Les variantes) المنتمية لنفس الحقل الدلالي حول تمظهرات "الحنين" عبر ربوع الديوان، قد تجبرنا على إعادة النظر في المنهجيات المتداولة في تحليل الخطاب، و الخطاب الأدبي (الشعري هنا) بصفة خاصة، إذ غالبا ما نعير الاهتمام للمصطلحات حسب السياقات و التخصصات، أو لبعض المفردات العتيقة (Les archaïsmes) غير المتداولة، أو لكلمات شككنا في معانيها، أو لم نصادفها من قبل... و نغفل (غالبا عن حسن نية) مساءلة القاموس عن معاني الكلمات المتداولة في ممارستنا اليومية للغة... هو المنطق/ المنطلق الذي جعلني أطرح السؤال التالي
ـ ما معنى "الحنين"؟
:قد ننتظر إجابات مختلفة مثل
(ـ "الحنين"... هو "الحنين".... (قد يعتبر المتلقّي العادي السؤال بليدا
ـ "الحنين" هو "شوق"... "اشتياق"، "تلهّف"، "توْق"، "صبابة"، "صبوة"، "لهفة"، "وجد"، "وله"... (هذا قد يكون ردّ المتلقّي المُمَدرَس المعتاد على البحث في "المنجِد" عن مرادفات للمفردة المطلوب شرحها.)
ـ "الحنين" هو "الشوق"، هو الحزن الشديد ("الشّجا")، هو "المنى".، هو "المناجاة"... (كما جاء في الديوان.)، لكن مع بعض اللبس و الغموض لمّا تستعمل الشاعرة لطيفة تقني المفردة و مرادفتها في ذات الآن كما في صياغة عنوان قصيدة "شوق و حنين" (ص. 10).. يحضر "شوق" هنا كمفردة مستقلة عن "حينن"، و ليس لمجرد الإطناب
و بالتالي نضع القارئ العادي أمام مِحكّ جديد: نجعله يشكّ في معلوماته و تمثّلاته... بأن شرح المفردة باللجوء إلى المترادفات لا يكفي لاستبيان المعنى؛ إذ لو كانت المترادفات تؤدي نفس المعنى و في كل الحالات
و السياقات، لاكتفينا بمفردة واحدة دون غيرها... لذا ترى الكثير من العلوم اللغوية، و منها علم صياغة المعاجم (La lexicographie)، و علم الدلالات (La sémantique) أن لا تفسير ملائم و مشروع خارج سياق أفعال الكلام (Actes de parole)، خصوصا و أن لغة الشعر تقتضي وجوبا قراءة الصورة الشعرية لا معاني المفردات، و ذلك باستحضار آليات علم البلاغة لولوج ما ورائيات الانزياحات المعجمية و الأسلوبية وجدانيا
...و ثقافيا و حضاريا
و يبقى المتعارف عليه في المتخيل الشعبي: إن مَنْ حنّ لشيء، أو لشخص، أو لكائن معنوي أو رمزي، تذكّره
و حزن على بعده أو فقدانه.... فعل "الحنين" (La nostalgie) يشترط مسافة بين الفاعل و المفعول به... و قد تقاس في النجوى المسافة بالأمتار (جغرافية) كما في هذا المقطع من قصيدة "جولة ببَركان"، ص. 12
"يا جولة بين أشجار ببَركان ***** من برتقال و ليمون و أرْكانا
قد بتّ من حالتي نشوى أناجيها ***** كالعاشق الواله يختال حيرانا
بَركان يا جنة الخلد التي ظلّت ***** مسعى لكلّ الحزانى شأن فزوانا"
و قد تكون المسافة زمنية؛ نقرأ هذا المقطع من قصيدة "وفاء"، ص. 53
" إني على العهد القديم أرى ***** أغلى وجوه تحتسي ألما
إني على رغم البعاد لَفي ***** ذكر لكم يا من سموا قمما"
و قد تكون مزيجا غامضا بين هذا و ذاك كما في الحلم؛ نقرأ هذا المقطع من قصيدة: "يا ليتني أحيا بالمنى أبدا !"، ص. 44
"قد كان لي صدرا بتّ أرقبه ***** يُحيي ندى أحلامي و يحترم
لولا ثياب الحبّ الذي سدل ***** ما كنتُ يوما أشدو و أبتسم"
لكن، و على غير المتداول في النصوص الشعرية الوجدانية/ الرومانسية (الفقد، الحنين، المناجاة...)، تأتي أغلب نصوص ديوان "يعانقني الحنين" للشاعرة لطيفة لتربك آفاق انتظار القارئ (أو المستمع)، لمّا يخرج استعمال "الحنين" بغير دلالاته المتداولة إنْ لفظا أو مجازا؛ نقرأ على سبيل المثال هذا المقطع من قصيدة "يا حبيبا لست أهجره"، ص. 30
"يا أنيسي إن كبا أملي ***** لا أناجي غير منفرد
كيف أكبو و الحبيب معي ***** إنني أخطأتُ من وبدي
منك فجري و الصباح غدي ***** لا أبالي حلكة الشّدد"
"الحنين" في هذا المقطع يُولِّد "المناجاة" ("لا أناجي غير منفرد")، لكن الشطر الأول من البيت التالي، يخلق المفارقة: الحبيب ليس مفقودا و لا غائبا و لا بعيدا ("كيف أكبو و الحبيب معي")؛ فيحقّ السؤال: كيف يناجي الصوت في القصيدة حبيبا منفردا، و حاضرا؟
تعتيم لن يطول كثيرا إذ مباشرة بعد هذا المقطع من نفس القصيدة (ص. 30 و 31)؛ نقرأ
"إنّ لي نفسا أقدّمُها ***** طائعا بالروح و الجسد
للّذي في خلقه عجب ***** سبّحوا للخالق الوحِد
طاب لي فيك القريض و قد ***** صرتُ شعرا عاشق الصمد"
من خلال هذا المقطع تتضح الصورة؛ كون المناجاة (وليدة الحنين) تعني حبيبا غير مُتوقّع ، هو "الخالق الواحِدِ"... الشيء الذي يغير إيقاعات النصوص و نوعياتها: إذ يصحّح القارئ تمثلاته القبلية و فرضيات قراءاته الأولية بعدما يتأكد له إن نصوص الديوان بعيدة عن نمطية القصائد الرومانسية / العاطفية، و أن لغة الوجدان لدى الشاعرة لطيفة تقني تنهل من الشعر الصوفي، و التراتيل و الأمداح الدينية التي تنتمي لتراث شعري ذو قيمة عالية في الطقوس الأدبية و الاحتفالية العريقة منها و الشعبية المعاصرة...
لكن، لا يمكن اختزال كل ديوان "يعانقني الحنين" في "صنافة شعرية" (Taxonomie poétique) واحدة: فكما الايقاعات الخارجية و الداخلية للقصائد متنوعة، تتنوع كذلك الأغراض الشعرية و التيمات التي تستأثر باهتمام الشاعرة لطيفة تقني؛ منها
ـ عن "سرعة الزمن"، نقرأ هذا المقطع من قصيدة "ربيع العمر" (ص. 20)
"بياض الرأس يا عمرا حثيثا ***** لماذا العمر بالأيام يجري؟ 
و يمضي العمر يا عمري سريعا ***** كمثل الليل بعد اليوم يسري
كأني ما عرفت اللهو يوما ***** و لا أحببتُ أطيارا بفجر"
ـ عن "العدوان الثلاثي"، و آثام الحرب، نقرأ هذا المقطع من قصيدة " بئس العوادي الثلاثي" (ص. 67)
"الحرب كم شردت شعبا يرى شجرا ***** رمزا لأوج العلا و الأصل و الوطن
و الظلم من ظلمه الأقداح قد رقص ***** ما همّه موت أشياخ من المحن"
ـ و عن العراق و بغداد، نقرأ هذا المقطع من قصيدة "بغداد" (ص. 64)
"إن كان زهر الروابي قد خبا ***** فالقلب من عطره قد يورق
من قال إن الليالي نكسة؟ ***** من قال أفق الأماني أضيق؟
بغداد يا دجلة الخير النّدى ***** القلب رغم العوادي يخفق"
ـ و عن "بركان" مدينتها، نقرأ هذا المقطع من قصيدة "جولة ببركان" (ص.. 12)
"يا جولة بين أشجار ببركان ***** من برتقال و ليمون و أركانا
قد بتّ من حالتي نشوى أناجيها ***** كالعاشق الواله يختال حيرانا"
"يعانقني الحنين" هو ديوان الايقاعات الموسيقية التي أقحمت إكراهات القصيدة الحداثية في عمق كنف الشعر التقليدي العمودي... اجتهاد في الضروب، و تحديث للمعجم، و تنويع في الأغراض المنفتحة على الظرفية التاريخية الحالية، و المعيش اليومي
طوبى لك ثم طوبى سيد ة الحرف الجميل شاعرتنا لطيفة تقني...
. قراءة ممتعة أتماها لكم أعزائي القراء لديوان "يعانقني الحنين




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.